طائر بجناح واحد لن يقوى على الارتفاع عن الأرض، وإن كانت الدولة الرشيدة أفردت جناحها بكل قوة حين أطلق صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة (حفظه الله)، مبادرته بجعل عام 2016 عاماً للقراءة، وأتبعتها الحكومة بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للقراءة، والبدء في إعداد قانون القراءة، يبقى لنا جناح آخر حين نفرده بقوته سنحلق في سماء المعرفة ليستمر البناء من أجل الحضارة الإماراتية الحديثة. هذا الجناح هو الأسرة ودورها في تنمية العلاقة بين الطفل والكتاب، ذلك لأن الطفل في مراحله الأولى يكون الكون كله مسكوناً بحضن أمه، يرى الحياة ويتعلم من عينيها، ويستقي المعطيات الأولى التي تكون وجدانه المعرفي وإدراكه لذلك الواقع الجديد، الذي تخطى عتبة الحياة إليه، وتتسع دائرته ليكون البيت هو كونه المحيط. الأسرة من أهم وظائفها تجاه الأطفال تنمية معارفهم وترغيبهم في تكوين علاقة سلوكية بينهم وبين الكتاب، ليكون الكتاب هو أحد السلوكيات اليومية، وتشير الأبحاث إلى أنه من الأفضل أن نبدأ في ترغيب الطفل في القراءة عند سن مبكرة جداً، قبل بلوغه ست سنوات، وخلصت الأبحاث إلى أن القراءة للأطفال في سن مبكرة تعزز من تكوين تلك العلاقة بين الطفل والكتاب، كما أنها تؤدي إلى تنمية الطاقة التخيلية للطفل، فهي تساعده على تكوين صورة ذهنية لما يسمعه. والقراءة تعلم الطفل الإنصات والتحدث، وفهم اللغة وتثري مفرداته اللغوية، فتكون النتيجة انتقاله إلى المراحل الأولى من التعليم وهو يمتلك حصيلة لغوية كبيرة جداً تساهم في تنمية قدراته التحصيلية في المدرسة. وقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن الطفل يحتاج إلى 15 دقيقة يومياً من التفاعل الجاد والفعال داخل الأسرة لتنمية القراءة وتقوية علاقته بالكتاب. مما سبق ندرك أن دور الأسرة في تنمية السلوك القرائي للطفل هو أكثر أهمية لأنه دور مؤسس، أما دور المدرسة فيبني على ما أسسته الأسرة، لذلك قد يذهب أدراج الرياح ما تقدمه المدرسة لتنمية السلوك القرائي للطفل ما لم يكن الطفل قد تم تأسيسه بصورة جيدة في محيط الأسرة. لا يكون نجاح الأسرة في تنمية العلاقة بين الطفل والكتاب، وزرع حب القراءة في وجدانه من دون أن يكون مستقراً بوجدانها أن القراءة قيمة إنسانية معرفية تساهم في التنمية المستدامة للطفل، وتساهم في نجاحه في طريق العلم، وتكوين ذاته القائمة على أساس من المعرفة والعلم، وهذا يؤدي في النهاية إلى خروج جيل قارئ وعارف وواع بتحديات مستقبل مجتمعه، قادر على الحفاظ على مكتسباته الحضارية والإنسانية ولديه وعي بمكانه داخل المجتمع البشري. هكذا نفرد جناحنا الثاني بكل قوته، وحين يطوي الجناحان الطريق للمستقبل يحلق المجتمع مجتازاً مسافات الفكر والمعرفة نحو تكوين مجتمع المعرفة، الذي هو أساس الحضارة. ومن هنا أدعو كل الجهات المعنية بدور الأسرة في المجتمع بألا تقف عند أعتاب تنظيم الفعاليات القرائية للأسر أو الأطفال لنتخطاها إلى تقديم الدعم التنموي والتوعوي للآباء والأمهات حول دورهم كأسرة في تنمية العلاقة بين الطفل والكتاب، وتقديم المحاضرات التثقيفية والورش التوعوية حول كيفية أداء دورهم المهم في تنمية أجيال المعرفة لنتشارك جميعاً في تقوية جناحنا الثاني ليتزن تحليق مجتمعنا نحو المستقبل.