يمكن اعتبار الإهمال المزمن الذي يضمره الرئيس أوباما لأقرب حلفاء الولايات المتحدة، خطأ فاته الزمن ولم يعد إصلاحه ممكناً. وهو ما سوف يكتشفه من خلال رحلته المنتظرة إلى بريطانيا وألمانيا هذا الشهر. وبعد أن حقق التعاون والتكامل مع الأوروبيين الانتصارات الباهرة خلال التاريخ الحديث، كان للقصور المفجع في مواجهة إرهابيي هجمات شوارع بروكسل وباريس أن يشوّه هذه الصورة بالإضافة لمشكلة نقص القدرة على إدارة مشكلة تدفق أمواج اللاجئين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فضلاً عن الخطر المتزايد من عودة النزعة القومية المتعصبة في أوروبا والتي سبق لها أن أشعلت حربين عالميتين في القرن العشرين. ولم يكن الأميركيين في يوم من الأيام يشعرون أن من السهولة بمكان فهم الاتحاد الأوروبي بأبعد من كونه مجرّد منظومة سياسية تهدف للتأكد من أن فرنسا وألمانيا لن تعودا إلى محاربة بعضهما بعضاً (على غرار ما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية). وساهمت أحداث خطيرة، مثل الحرب الأهلية المفزعة في سوريا، والاستغلال التركي لأزمة اللاجئين، ودعم بعض الدول للمتطرفين الدينيين داخل البلدان الأوروبية، في انهيار عامل الاستقرار الذي كان يسود المنطقة. ويضاف إلى كل ذلك التدخل العدائي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شرق أوكرانيا والذي أعاد القارة الأوروبية إلى عهود التوتر وعدم الاستقرار. إلا أن معظم العوامل التي خلقت الأزمة التي يعيشها الاتحاد الأوروبي هي من صنع الاتحاد ذاته. فقد كانت آلة صنع القرار فيه أكثر طموحاً مما يجب، وعانت من السرعة المبالغ فيها للتوسع والانتشار حتى شملت 28 دولة في إطار السعي لضم الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي بعد نهاية الحرب الباردة. ولم تكن دول وسط وشرق أوروبا راغبة في التخلي عن نزعتها القومية المكتسبة على مر العصور مقابل الانضمام للكيان الجديد الأكثر اتساعاً. ويمكن أن نضيف إلى كل ذلك الخطر الكامن وراء الخطوة غير المحبذة التي أطلقها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عندما دعا إلى استفتاء حول بقاء بريطانيا في عضوية الاتحاد الأوروبي والتي ستنتهي إلى الرفض في استفتاء الصيف المقبل، وهي الدعوة التي تعد بحد ذاتها كارثة حقيقية. وبات من الواضح الآن أن الأداء الاقتصادي في أوروبا كان يتميز بالتفاوت وعدم التكافؤ منذ بدأت ظاهرة العولمة. وفيما تمكنت ألمانيا من التكيف معها وحققت من خلالها المزيد من الازدهار الاقتصادي، راوحت فرنسا مكانها وعانت من مشاكلها السياسية والاقتصادية. وقد كتب لهذا التفاوت بين الدولتين أن يحرم الاتحاد الأوروبي من القوة الكامنة في القيادة الفرنسية الألمانية المشتركة التي كانت تمثل ذات مرة القوة المحركة الفعالة للتكامل الأوروبي. وأصبحت ألمانيا تشعر بالعزلة من خلال الاستفراد بالقيادة. وأدت جهودها المكثفة لفرض سياسة التقشف عل اليونانيين والإيطاليين وآخرين، إلى تشكيل صدوع عميقة في قلب منظومة الكيان الاتحادي الأوروبي. وأظهرت حملتنا الانتخابية الرئاسية أن الأميركيين معرضون لتيار مشابه من التغيرات التي تتسم بالفوضى. ونحن ننتقل الآن من فترة العقود الثلاثة التي انقضت على الاحتفال بانطلاق عصر العولمة إلى فترة الشعور بالإحباط. وبوسعنا أن نرى أيضاً كيف أن الشعبوية السياسية ذات الوجه القبيح والتي تركز على معاداة الأجانب باعتبارهم سبب الأمراض الاجتماعية، باتت سائدة على ضفتي الأطلسي الشرقية والغربية. وأصبحت أحزاب أقصى اليمين في المجر وفرنسا وبولندا وبريطانيا وغيرها من بلدان أوروبا تدعو إلى ضبط ومراقبة الحدود الوطنية لهذه الدول بدلاً من تركها مفتوحة. وهذا تعبير صريح عن عدم الرغبة في قبول الغرباء. ويرى ترامب أن تدفق المهاجرين والبضائع ورؤوس الأموال والأفكار عبر الحدود المتداعية، قد حول الولايات المتحدة إلى أرض جدباء لم تعد قادرة على استغلال القوى العاملة الأميركية. وذهب في أطروحاته إلى حد الدعوة لتشجيع اليابان على بناء وتطوير ترسانتها الخاصة بها من الأسلحة النووية بدلاً من توظيف الدولارات الأميركية لضمان حماية تلك الدولة.. إنها بحق دعوة انعزالية. وخلال حوار تلفزيوني تم بثه مؤخراً، عبر أوباما عن قلقه من أن الحلفاء أصبحوا يؤيدون الأفكار التي يطرحها ترامب بطريقة غير مباشرة ويساهمون في تعقيد الأجندة المبرمجة في الزيارة الوداعية التي يعتزم القيام بها إلى الدولتين الشريكتين بريطانيا وألمانيا. جيم هوجلاند محلل سياسي أميركي حائز على «جائزة بوليتزير» مرتين ينشر بترتيب خاص مع خدمة واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس