هناك سؤال كان ينبغي أن يلقى اهتماماً في نقاشات حملات الترشيح الحزبية للانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، ولكنه غاب بشكل غريب، وهو سؤال الاستراتيجية التي يجب على الولايات المتحدة اتباعها لمواجهة مشكلة التشدد الإسلامي العنيف؟ صحيح أن عدداً من المرشحين تعهدوا، إذا نجحوا في الانتخابات، بأن يعززوا الحملة العسكرية الحالية ضد «داعش». ولكن «داعش» ليس إلا تعبيراً عن ظاهرة أكبر بكثير وأكثر تعقيداً. وحتى إذا تم القضاء على «داعش» بقصف شامل، فإن المشكلة الأكبر ستظل قائمة. وتصنيف هذه المشكلة بأنها إرهاب فحسب هو ركون إلى الراحة على حساب الفهم. وما يشير إليه الأميركيون باعتباره إرهاباً هو بدقة أكبر منتج عنيف لخلل وظيفي سياسي مزمن، وتخلف اقتصادي يصيب مناطق واسعة من العالم الإسلامي، تفاقم منه انقسامات طائفية عميقة الجذور، وتركة سيئة من الاستعمار الأوروبي يؤججها تعقيداً الاحتلال الإسرائيلي، وكل هذا يجد متنفساً في الكراهية ضد الغرب وخاصة ضد الولايات المتحدة. وكي تنجح الحرب على الإرهاب يتعين معالجة الظروف التي جعلت هذه الكراهية تظهر في المقام الأول. ومنذ زمن مديد وحتى الآن دخلت القوات الأميركية إلى المنطقة أملاً في التصدي للإرهاب. وقصفت القوات وقامت بغارات وغزت واحتلت في أماكن كثيرة. وأزالت العناصر المعادية وزعم أنها قد حررت المقموعين وأعانت المتضررين وأيدت الديمقراطية واضطلعت بمشروعات طموح لبناء الأمم. وفوق ذلك أنفقت تريليونات الدولارات وقاتلت وعانت وقُتل أفرادها. وبالتأكيد فقد قتلت أيضاً آخرين بأعداد أكبر بكثير. ولكن جهودها لم تنجز شيئاً تقريباً. فالشرق الأوسط الكبير يترنح على حافة التحلل من ليبيا إلى العراق إلى أفغانستان. والأدلة وافرة على أن المشروع العسكري الأميركي قد مني بالفشل. بل إن استخدام القوة الأميركية زاد الطين بلة. وحتى في عام الانتخابات الرئاسية هذا ما زال أفراد من الصفوة السياسية في البلاد يزعمون غير هذا. وفي المؤسسة الحاكمة الخالية من الإبداع منذ زمن بعيد ما زالت هناك توقعات بأن القوة العسكرية الأميركية، المتمثلة في المزيد من القصف والغارات وإرسال جنود إلى الميدان، ستصحح الأمور ذات يوم. والجهود العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط الكبير لطالما وافقت التعريف الشعبي للحماقة وهو فعل نفس الشيء مرات ومرات وتوقع نتائج مختلفة. أما أكثر المستفيدين من الحال الراهن للحرب الدائمة فيرون أن الحلول البديلة غير قابلة للتطبيق. ولكن البدائل التي تحرج المؤسسة الحاكمة قد تجدي نفعاً الشعب الأميركي. ولتأخذوا في الاعتبار الاستراتيجية التالية المؤلفة من ثلاث نقاط للتخلص من تهديد الجماعات المتشددة. النقطة الأولى: الحماية الذاتية. فالإرهاب يمثل تهديداً متواضعاً آنياً للولايات المتحدة في المدى القريب، والرد الملائم هو تقديم موارد ملائمة وقيادة فاعلة لمكتب التحقيقات الاتحادي «إف. بي. أي» ووكالة الاستخبارات الأميركية المركزية «سي. أي. أيه» وخفر السواحل وإدارة أمن النقل والوكالات المسؤولة عن تأمين الحدود الأميركية. وببساطة شديدة فإن «الحفاظ على سلامة أميركا» يبدأ من منع الأشرار من الوصول إلينا. النقطة الثانية: إعادة الاستقرار. فالتصدي للاضطراب الذي يمسك بتلابيب الشرق الأوسط يمثل أولوية في المدى المتوسط. واحتلال العراق وسوريا لمدة عقد أو أكثر بقوة مؤلفة من بضع مئات من الآلاف من القوات ليس مهمة يستطيع الجيش الأميركي إنجازها. بل هو عمل يتعين على القوى الإقليمية الرئيسية أن تضطلع به. فتنظيم «داعش» يمثل تهديداً حقيقياً لكل من إيران وتركيا ومصر والمملكة العربية السعودية. ومهمة الولايات المتحدة يتعين أن تكون دبلوماسية في الأساس عن طريق حث هؤلاء الخصوم على إدراك المصلحة المشتركة فيما بينهم والتحرك وفقاً لذلك. فهل هذا سهل التحقيق؟ كلا على الإطلاق. ولكن دفع هذه القوى الإقليمية للتحرك سيكون أفضل من التزام القوات الأميركية بقتال يفرض أن يخص حقاً القريبين من المشهد. النقطة الثالثة: دعم عوامل التغيير. فليس كل ما يأتي من العالم الإسلامي سلبياً. والأغلبية الساحقة من الشباب هناك يفضلون الحداثة على التطرف. وهنا يكمن الحل طويل الأمد للمشكلة التي نواجهها. وعندما يجد المسلمون طريقة للتوافق مع الحياة الحديثة يصبح التعايش السلمي مع الغرب ممكناً. وهذا بالنسبة لبعض المجتمعات قد يستغرق عقوداً أو حتى أجيالاً ولكن هذا النهج هو محور القضية بلاشك. ومع مرور الوقت، ستساعد حملة مستدامة من التبادل الثقافي والتعليمي في إقناع الشباب المسلم بأننا لسنا أعداءهم. وكل هذا يقتضي منا الصبر. أندرو باسيفيتش أستاذ العلاقات الدولية والتاريخ في جامعة بوسطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»