نظرياً، الاتفاق النووي الذي وُقع العام الماضي مع إيران سيُمكن هذه الأخيرة من استعادة 100 مليار دولار من الأموال المجمَّدة في الخارج - وهو ما يعادل ربع ناتجها المحلي الإجمالي تقريباً. ولكن إيران تخوض حروباً في العراق وسوريا واليمن، وتسلح «حزب الله» في لبنان و«حماس» في غزة، وتختبر الصواريخ الباليستية القادرة على الوصول إلى إسرائيل. وعليه، فالأمر يبدو سيئاً حتى الآن؛ ويبدو أنه لا خير يمكن أن يرجى ولو من جزء بسيط من من تلك الأموال التي سينتهي بها الأمر في حسابات الحرس الثوري الإيراني. غير أن الأسبوع الذي قضيته في طهران أوضح لي أن تلك الأموال التي سيفرج عنها بعد رفع العقوبات من المستبعد أن تكون كافية للتعويض عن الخسائر السنوية التي تتكبدها البلاد جراء انخفاض أسعار النفط. في السنة المقبلة، تتوقع الحكومة الإيرانية عائدات نفطية تبلغ 23 مليار دولار فقط، مقارنة مع أكثر من 100 مليار دولار في 2011 عندما كانت الأسعار في أعلى مستوى لها. ووفق «سعيد ليلاز»، الخبير الاقتصادي والمستشار السابق للرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، فإنه حتى في حال عادت الصادرات إلى المستويات التي كانت عليه خلال مرحلة ما قبل العقوبات، حين كان سعر النفط 40 دولاراً للبرميل، فإنها لن تجلب للحكومة سوى ما يعادل نصف ما حققته من عائدات في 2013، في ذروة العقوبات. وبالتالي، فإنه حتى في حال استعادة إيران 100 مليار دولار من الودائع المالية المجمدة، فإن ذلك سيؤدي إلى عودة الأوضاع المالية في إيران إلى المستويات المريحة التي كانت عليها قبل العقوبات لفترة سنة واحدة فقط، وبعدها ستضطر الحكومة من جديد لمواجهة أوضاع مالية صعبة. الحكومة الأميركية تقدِّر رقم الأموال المجمدة التي ستعاد إلى إيران في حدود 50 مليار دولار إلى 55 مليار دولار، على اعتبار أن جزءاً كبيراً من الرقم المتداول في وسائل الإعلام إما محجوز في بلدان أخرى أو مقيد بدين خارجي. غير أن إدارة أوباما لديها مصلحة سياسية في خفض التقديرات المتعلقة بأموال العقوبات الإيرانية؛ وبالتالي، وجب التعامل مع رقمها باعتباره مجرد تقديرات أخرى. من جانبه، يقول مستشار للرئيس حسن روحاني إن الحكومة باتت لديها إمكانية التصرف في 100 مليار دولار منذ بعض الوقت. ولئن كان هذا واردا، فإن أياً من البنوك المعنية شرع في إدارة الأموال الإيرانية؛ وبالتالي، فإنه مازال من غير الممكن إعادتها إلى إيران بعد. وبالنظر إلى أن الاتفاق النووي كان مثيراً للجدل في إيران مثلما كان في الولايات المتحدة، فإن روحاني لديه مصلحة في جعل الرقم كبيراً قدر الإمكان. وبالتالي، وجب الحذر والتعامل مع هذا الرقم باعتباره مجرد تقديرات أخرى. ثم هناك رأي آخر مصدره رجال المال والأعمال في طهران، الذين يعتقدون أن الأرقام التي يتم تداولها أكثر ارتفاعاً من الحقيقة؛ إذ يشيرون إلى الرقم الأصغر، باعتباره الرقم الأكثر واقعية، مثلما يقولون. ثم يقومون بخصم المال الذي أخذته الحكومة من البنك المركزي، وبالتالي ستعيده إليه، إضافة إلى مليارات أخرى تعهدت بها الحكومة كضمانات لمشاريع استثمارية قيد الإنشاء. ويقول روزبيه بيروز، المدير التنفيذي لـ«تركواز بارتنرز»، وهي شركة للخدمات المالية في طهران: «إن حساباتنا تشير إلى أن هذا سيترك للحكومة 6 مليارات إلى 7 مليارات دولار لتنفقها»، مضيفاً: «إنني أطلب دائما من موظفينا أن يخفضوا التوقعات». وقد أشار مسؤولان من شركتين استشاريتين في طهران تحدث معهما إلى تقديرات مماثلة؛ ولكن متحدثا باسم وزارة الاقتصاد رفض التعليق. وفي تلك الأثناء، يسود طهران شعور متزايد بالإحباط وبأن لا شيء ملموساً حدث بعد. فخلال مؤتمر نظمه مؤخراً بنك إيران المركزي وشركة «أوبن إيران» للاستشارات القانونية، كانت كل المناقشات تقريباً تفضي إلى السؤال الرئيس نفسه: متى تبدأ البنوك البريطانية والألمانية والفرنسية الكبيرة في تحويل الأموال الإيرانية حتى يتسنى تفعيل العقود الأوروبية الكبيرة التي تم إبرامها خلال الأشهر الأخيرة؟ الواقع أن البنوك الأميركية لا تستطيع الإفراج عن الأموال الإيرانية بسبب العقوبات المالية التي فرضت قبل العقوبات النووية ومازالت قائمة. وعلاوة على ذلك، فإن أياً من البنوك الأوروبية الكبيرة بدأ في القيام بذلك خوفاً من التعرض لغرامات وعقوبات من وزارة العدل الأميركية. ويقول بيتر ماير الخبير البنكي السابق والمدير التنفيذي لـ«رابطة الشرق الأوسط» حالياً، وهي منظمة تجارية بريطانية، إن الأمر سيستغرق فترة ستة أشهر، مشيراً إلى اتفاقات التسوية التي يتعين على العديد من البنوك الكبيرة أن توقعها مع وزارة العدل الأميركية أولاً. مارك تشامبيون محلل سياسي بريطاني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»