ربما يعاني الملاحظون في دول العالم الغربي من حالة تشوش فيما يتعلق بمجريات ونتائج الانتخابات الإيرانية، لكن الأمور تبدو أكثر وضوحاً بالنسبة لمجتمع رجال الأعمال ومدمني ارتياد المقاهي في طهران، وهم الذين يعرفون أكثر من غيرهم من هو الرابح الحقيقي للانتخابات البرلمانية. ويبدو من خلال الحكم الظاهري على أمزجة المشرّعين ذوي الخط المتشدد من أعضاء البرلمان الإيراني، والتي عبروا عنها الإثنين الماضي، وكأنهم مقتنعون بأنهم خسروا مقاعدهم. وفي ذلك اليوم، تناوب عدد من النواب المنتهية ولايتهم، الصعود إلى منصة الخطابة للتعبير عن استيائهم مما حدث، وعن غضبهم من الطريقة التي تمت بها الانتخابات، حيث وصفها أحدهم بأنها كانت عامرة بالخداع والاحتيال، فيما أشار آخر إلى أن سياسات حسن روحاني الاقتصادية يمكن أن تؤدي إلى تقويض «الثورة الإسلامية». ومعظم حالة التشوش التي يعاني منها محللو الغرب للحكم على هذا الموضوع، نبعت من سعيهم لمعرفة ما إذا كان الإصلاحيون أم المحافظون هم من ربحوا المزيد من المقاعد، وهو نوع من عمليات الحساب المنطقية التي يتم الاحتكام إليها بعد استكمال كل عملية انتخاب في الديمقراطيات النموذجية، لكن إيران لا تحتكم إلى هذا الطراز من الديمقراطية على الإطلاق، وكما يرى «إيلي ليك»، كاتب العمود في موقع «بلومبيرج فيو» الإخباري، فإن بعض أعتى المرشحين المحسوبين (ظاهرياً) على المعسكر الإصلاحي، يبدو من خلال ممارساتهم أنهم محافظون حتى النخاع. ويعود منشأ هذه الخدعة التي وقع فيها المحللون والرأي العام في دول الغرب، إلى أنهم استندوا في الحكم على ما يجري في إيران على أسس شائعة عندهم لكنها لا تنطبق بأي حال على النظام الانتخابي الإيراني الذي تمّت «هندسته» بعناية، وبحيث يخضع المشاركون في الاقتراع لرقابة صارمة فيما يكون التصويت واقعياً. لقد عبّر علي فايز عضو «مجموعة الأزمة العالمية» عن هذا الوضع عندما أشار إلى أن السياسيين الإيرانيين غير منقسمين في واقع الحال إلى معسكر إصلاحي وآخر محافظ، بل إلى أربعة معسكرات يسودها اختلاط وفوضى في الرؤى والأهداف. ويحدثنا «فايز» عن معكسر «الأصوليين»، ويصفهم بأنهم يمثلون الملالي المتزمّتين، ومن أشهر ممثليهم في طهران الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي يدافع عن مبادئ ثورة 1979 التي أتت بالخميني ونظام الملالي الذي يعتنق قيماً دينية بالغة التطرف ويرفع الشعار القائل بضرورة تحدي الغرب مهما بلغت التكاليف. وهناك أيضاً معسكر «الجمهوريون الراديكاليون»، كما يدعوهم «فايز»، لكن الإيرانيين يطلقون عليهم «الإصلاحيين»، وهم الذين يرون أن سلطة الدولة يجب أن تنبع من صناديق الاقتراع والإرادة الشعبية، وهم يدعون لسياسة الأسواق الحرة وحرية القيم الاجتماعية والتعاون مع الغرب، وهناك أيضاً «الإصلاحيون البراغماتيون» الذين ينتمي إليهم حسن روحاني، ويدعون إلى الحرية الاجتماعية والاندماج في منظومة الاقتصاد العالمي. وأفضل طريقة لفهم ما حدث في انتخابات إيران الأخيرة تتلخص في أن ثلاثة من هذه المعسكرات اتحدت فيما بينها لإلحاق الهزيمة بالمعسكر الرابع أو معسكر «الأصوليين المتزمتين»، وكان هذا ممكناً بسبب الصفقة النووية التي يرى فيها الإيرانيون فرصة لإعادة إحياء اقتصادهم والتخلص من العزلة الدولية التي يعانون منها. وهذه «الخلطة» من السياسيين الذين سيديرون شؤون البرلمان، لا يوافقون على النظر في الكثير من المبادئ المعروفة، مثل حقوق الإنسان والحريات المدنية، وهم يعتبرون إعادة إحياء الاقتصاد من أهم أولوياتهم، وحول هذه النقطة بالذات، قال لي «سايروس رزاقي»، رئيس شركة تدعى «آرا إنتربريز» تعمل في الاستشارات الاستثمارية: «يعتبر البرلمان الجديد مكسباً عظيماً لمجتمع رجال الأعمال، وكانت الخطة التي أعقبت توقيع الصفقة النووية تقضي بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وهو أمر يتطلب مستوى أعلى من الشفافية ومحاربة الفساد وخلق بيئة أفضل للعمل والإنتاج، ومع البرلمان الجديد، ستتوفر لروحاني فرصة جيدة لإنجاز هذه الطموحات». ورغم هذا الطرح المتفائل، فمن الواضح أن إيران لا تزال تعتمد نظام الاقتصاد الذي تديره الدولة، فمن الذي يمتلك حق توقيع أو فسخ العقود الضخمة المتعلقة بتشييد البنى التحتية؟ في السابق، كانت بعض هذه العقود يتم إبرامها لصالح الشركات التابعة للحرس الثوري وبعض الشركات ذات العلاقة الوثيقة بحكومة أحمدي نجاد، ولا شك أن وزراء حكومة روحاني سوف يعمدون لإرسائها على شركات أخرى هذه المرة. مارك شامبيون محلل بريطاني في العلاقات الدولية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»