بعد ثماني سنوات على إعلان كوسوفو استقلالها عن صربيا، ما زالت خمس دول من الاتحاد الأوروبي ترفض الاعتراف بها، غير أنه يجدر بهذه الدول أن تتراجع عن هذا القرار لأنه يساهم في مشكلة أمنية واقتصادية في قلب البلقان، ودروس التاريخ تؤكد أنه قرار يجانب الصواب. خلال حوار لي مع رئيس وزراء كوسوفو عيسى مصطفى خلال زيارة قصيرة قام بها لبريطانيا الأسبوع الماضي، أخبرني أن بلاده لا تستطيع الانضمام إلى شبكة تقاسم المعلومات الأمنية التابعة للاتحاد الأوروبي (يوروبول)، وتكافح من أجل الانضمام إلى منظمة الشرطة الدولية (إنتربول)، وهو ما يمثل في واقع الأمر إيذاءً للنفس من قبل البلدان التي تعرقل الاعتراف. لا أقول إن انفصال كوسوفو عن صربيا كان شيئاً جيداً، بل على العكس، فقرار الرئيس الأميركي بوش الابن دعم استقلال كوسوفو في 2008 كان أحد أسوأ القرارات التي اتخذها؛ إذ لم يقم وزناً لكل الأسس المنطقية التي استند إليها المجتمع الدولي في تدخله العسكري في يوغسلافيا السابقة: منع تغيير الحدود بالقوة، وكان من عواقب ذلك أن استغلت روسيا تلك السابقة التي تم التأسيس لها في كوسوفو في جورجيا بعيد بضعة أشهر فقط. لكن كل ذلك بات من الماضي الآن، فكوسوفو لن تعود إلى صربيا، وأكثر من نصف دول العالم باتت تعترف بالإقليم السابق كدولة الآن. وفي أوروبا، قامت 80? من البلدان بذلك، ولسبب وجيه: ذلك أن عدم إدماج كوسوفو سيعرّض أمنها للخطر. فكوسوفو، وهي دولة صغيرة يبلغ عدد سكانها 1.8 مليون نسمة، لديها أعلى نسبة في أوروبا من المواطنين الذين يقاتلون مع الجهاديين في سوريا والعراق: 232 شخصاً قبل نحو عام، ولا شك أن هذا العدد بات أعلى منذ ذلك اليوم، وإلى ذلك، فإن الجريمة المنظمة العابرة للحدود متفشية في البلاد حيث تستفيد من الفساد، وأحياناً من التواطؤ على أعلى المستويات، وبالتالي، فمن غير المعقول ترك هذه الحلقة في سلسلة المعلومات الاستخباراتية الأوروبية مظلمة ومعتمة. يقول مصطفى: «لقد ذهب بعض الأشخاص إلى سوريا والعراق، وعلينا أن نستعد للتعامل معهم حين يعودون، ولهذا الغرض، نحن بحاجة لتعاون إقليمي، وبحاجة للانضمام إلى منظمات دولية مثل الإنتربول، لكن عملية انضمامنا إليها ما زالت طويلة». بخصوص «اليوروبول»، يعود سبب التأخير إلى أعضاء الاتحاد الأوروبي الخمسة الذين لم يعترفوا بكوسوفو: قبرص، واليونان، ورومانيا، وسلوفاكيا، وإسبانيا. أما بالنسبة للإنتربول، فإن المشكلة أكبر وأكثر تعقيداً، إذ يقول: «على المستوى الدولي، تتسبب لنا روسيا والصين في مشاكل من خلال مجلس الأمن الدولي، كما أن ثمة بلداناً تساندها في ذلك، والأمر نفسه ينطبق على عضوية اليونيسكو». ولا شك أن روسيا لن تغيّر موقفها من هذا الموضوع قريباً، على الأقل ليس قبل أن تعترف بقية العالم بالقرم كجزء من روسيا وباستقلال إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الجورجيين المحتلين من قبل روسيا. وبالتالي، فربما لن يحدث ذلك أبداً، غير أن الأهم من ذلك هو شيء لا تملك روسيا أن تعرقله: انضمام كوسوفو إلى برامج وهياكل الاتحاد الأوروبي. بيد أن المجال قد لا يظل مفتوحاً لوقت طويل من أجل تصحيح الوضع؛ فالقوميون يزدادون قوة في البلقان، وفي أماكن أخرى من أوروبا، وفي كوسوفو، ينتظم هؤلاء في «حزب تقرير المصير» الذي يطالب حكومة مصطفى بالاستقالة بسبب قبولها باتفاق رعاه الاتحاد الأوروبي ويقضي بمنح حكم ذاتي محدود لصرب كوسوفو في منطقة قريبة من الحدود مع صربيا. كما أنهم غاضبون بسبب موافقة الحكومة على تسوية الحدود بين كوسوفو ومونتينيغرو. والحال أن دعوات الشعبويين لها تأثير قوي وتجد آذاناً صاغية، خاصة في بلد تبلغ فيه البطالة 35?، و61? من بين من تقل أعمارهم عن 25، كما أن كوسوفو أضحت أفقر جزء من البلقان، لأسباب منها كونها صارت جد معزولة من حيث التجارة والاستثمار والسفر، وهذا بدوره يدفع مئات الآلاف من السكان للبحث عن عمل في الخارج. والواقع أنه يصعب تصور إسبانيا، التي أدارت الحركة الانفصالية في كاتالونيا بشكل سيئ، تعترف باستقلال أحادي الجانب من قبل كوسوفو، غير أن إسبانيا وأصدقاء صربيا الآخرين في الاتحاد الأوروبي يستطيعون الكف عن الاعتراض على عضوية كوسوفو في المنظمات المهمة جداً، لأن ما يمكن خسارته أكبر بكثير من الرمزية. مارك تشامبيون محلل سياسي بريطاني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»