تختلف مصطلحات التعبير في العالم العربي حول الفرق بين الدولة والوطن، وكثيراً ما يتم الخلط بين مفهوم الوطنية والمواطنة أيضاً. ولعل مرد ذلك هو تردد بعض الجهات المعنية (لاسيما في جمهوريات الخوف) في السماح بمناقشة هذا الموضوع الهام، والذي تتأسس عليه العلاقة بين المواطن والوطن. فالدولة هي التي تنظم شؤون المواطنين، وترعى ثروات بلدانهم، وتقيم لهم المؤسسات وتؤمِّن لهم الخدمات التي تريحهم وتسهل أمور عيشهم. والدولة هي التي تقيم العلاقات الدبلوماسية مع الخارج، بقصد كسب مزيد من الأصدقاء، وكسب التأييد لها في المحافل الدولية عند مناقشة قضاياها أو نزاعاتها أو حالات الاعتداء عليها من الخارج. والدولة هي التي تخطط لرخاء المواطنين، وتخصص الميزانيات لبناء المشاريع وإنشاء المرافق العامة، وأيضاً للتسلح لاستتباب الأمن في البلاد. كما أن الدولة هي التي تضع مناهج التعليم، وهي التي تموضع الدبابات والصواريخ على الحدود، وبيدها قرار السلم وقرار الحرب. وهي التي تحدد نوعية الاستثمارات، وتخصص لها الأشخاص. والدولة أيضاً هي التي تضع القوانين الضامنة لبقائها واستمرار رخاء مواطنيها. لكن العلاقة بين الدولة والمواطن في مواقع كثيرة من العالم العربي تأزمت بشكل متفاوت، ووصل الأمر في بعض الحالات إلى اشتباك وعنف سقط خلاله ضحايا كما شهدنا في بلدان «الربيع العربي» ومآسيه. وفي هذه الحالات المتأزمة، زاد من تأزم العلاقة بين الطرفين غياب المشاركة الشعبية التي تُعد من مقومات المواطنة، وهذا أدى إلى اختلال نظام المجتمع، وعدم الرضا بين أطراف العلاقة. وبذلك تزعزت ثقة كثير من المواطنين العرب في بلدهم، وتقدّمت روح الوطنية- الجانحة أحياناً- على قيمة المواطنة، والتي تعني ضمن ما تعني الالتزام بالواجبات التي تحددها الدولة، مقابل الحصول على الحقوق التي ينص عليها الدستور. المواطنة هي عقد أخلاقي بين المواطن والدولة، لكن أجيالاً عربية نشأت وهي تدافع بكل حماس عن الوطنية، إلا أنها لا تعرف ما عليها من واجبات وما لها من حقوق، وذلك لوجود نقص في الثقافة المدنية. وقد شاهدنا في تجارب عربية منذ ستينيات القرن الماضي كيف أن الوطنية الطاغية أخرجت الكثير من الشباب في الدول الأيديولوجية من دائرة المواطنة الصالحة، والتي هي خير للمواطن والدولة معاً، وأن الدولة في تلك التجارب، سعياً منها لاستمرار الوضع على ما هو عليه، لجأت عبر وسائل إعلامها ومنابرها إلى الابتعاد عن المفاهيم الصحيحة للمواطنة، واستعاضت عنها بالمظاهر التعبوية والاحتفالية الثورية التي تتجاهل صيرورة المواطنة. إن تحقيق التوازن بين المفهومين (الوطنية والمواطنة) يحتاج إلى رؤية جديدة، خصوصاً بعد مرارات «الربيع العربي»، لأن إقامة علاقة واقعية بين المواطن والدولة هي خير معين على إيجاد المواطن الواعي المدرك لقيمته أولاً وقيمة الآخرين من حوله، وبالتالي لقيمة الدولة التي تُشكل له الوطن. وقد طالب العدديد من المفكرين العرب بإعادة النظر في شكل العلاقة بين الدولة العربية ومواطنيها، واستبدالها بشكل آخر يتناسب مع طموحات الناس وجوهر العصر، وذلك من خلال خلق علاقة واضحة ومتوازنة تقوم على العدالة والمساواة والإخاء والرخاء، واحترام المواطن لقوانين الدولة، ولدوره الذي يجعله شريكاً معيناً لا منافساً أو مناهضاً. وهنالك العديد من مناهج التعليم (خصوصاً التربية الوطنية) تحتاج إلى تعديل، لأنها صيغت في قوالب أحادية النظرة، لم تأخذ في الاعتبار الانفتاح الاجتماعي والمعلوماتي الحالي.