كلنا كنا نأمل لو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمتلك الوسائل التي تضمن له دحر تنظيم «داعش» أو تحقيق السلام في سوريا، إلا أن ما يحدث على الأرض يخيّب هذا الأمل. ولم تستهدف الضربات الجوية الأولى التي استهلتها الحملة العسكرية الروسية في سوريا المنكوبة، التنظيم الإرهابي أبداً، بل إن بوتين مشى على وقع خطا بشار الأسد في هذه الحرب. ونادراً ما كانت القوات الجوية السورية تستهدف في غاراتها تنظيم «داعش» إلا عندما تجد نفسها مجبرة على ذلك. ووجد الأسد في هذه القوة المتعصبة حليفاً مفيداً له يمكن استغلاله لإقناع المجتمع الدولي بأن الحرب في سوريا هي خيار بين بقائه أو تسليم السلطة للبرابرة، وأنه لا يوجد أي احتمال ثالث. ولقد عبر بوتين عن موقفه من خلال الكلمة التي ألقاها على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما قال إن «الأسد يحارب الإرهاب ببسالة، ويقف في وجه الإرهاب بشجاعة». والحقيقة هي غير ذلك تماماً. وحتى يوحي الأسد بوجود احتمالين لا ثالث لهما، ومن أجل إجهاض أية فكرة يمكنها أن تدفع الولايات المتحدة وأوروبا لدعم المعارضة، فلقد آثر توجيه كل قوته ضد المجموعات المسلحة المناوئة لحكمه وليس ضد «داعش»، وجعل من نفسه الحليف القابل للاستغلال في نظر المنظمات الإرهابية ذاتها. بل إن ما حدث على الأرض يعاكس تماماً مزاعم الأسد لأن التنظيمات التي قصفتها قواته وأغارت عليها الطائرات الروسية الأربعاء الماضي هي التي تحارب «داعش» بشكل متواصل. ويمكن اعتبار بعض تلك التنظيمات إرهابية أيضاً مثل «جبهة النصرة»، وهي فرع تنظيم «القاعدة» في سوريا، وبعضها لا يتبنى الإرهاب أبداً، وهي التنظيمات التي تدافع عن مناطقها ضد آلة الأسد الحربية البشعة. كما أن العشرات من تلك التنظيمات تعمل بالتنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة، ولها قواعدها في الأردن وتركيا. ولقد آثرت روسيا ضرب إحدى هذه التنظيمات في أولى غاراتها الجوية في سوريا. ولا تقل العيوب التي تعتري اقتراح بوتين الذي وجهه لدول العالم للانضمام إلى روسيا والأسد لدحر «داعش» وإعادة بناء الدولة «البعثية» السورية، وهو الاقتراح الذي يهدف أساساً للإبقاء على حكم الأقلية العلوية للأغلبية السنية، عن تلك التي تعتري الخطة الفاشلة التي اتبعها الرئيس أوباما لتدريب وتجهيز الميليشيات المعارضة المستحدثة. وأدت هذه المحاولة إلى حدوث نقص كبير في أعداد الثوار الراغبين في حصر مهماتهم القتالية في محاربة «داعش» بدلاً من توجيه حربهم ضد الأسد قبل غيره. واعتمدت قوات الأسد سياسة الاعتقال والتعذيب واستخدام الأسلحة الكيماوية وإلقاء البراميل المتفجرة على المدنيين خلال جهودها لاستعادة السيطرة التي فقدتها على الأرض. وارتفعت حصيلة هذه الأعمال الوحشية إلى أكثر من 200 ألف قتيل، أو ضعف عدد الذين ماتوا في حرب البوسنة قبل 20 عاماً. وبات من غير المعقول أن تقبل الأغلبية السُنية في سوريا بعد كل هذا بإعادة تأهيل نظام الأسد أو رؤيته وقد أصبح شريكاً في الحرب ضد شيطان أكبر منه. وإلى حدّ ما، يمكن القول إن بوتين نجح في إضعاف المعارضة السورية، وهو العمل الذي قد يدفع بالسكان السُنّة إلى الانضمام إلى القوة الوحيدة المتبقية القادرة على حمايتهم وهو تنظيم «داعش». ولا شك أن بوتين يفهم هذا جيداً. ولهذا السبب، عمد إلى إنشاء منظومة استخباراتية مشتركة مع العلويين المنضوين تحت لواء حكم الأسد وحلفائهم الشيعة في طهران وبغداد. ولن يكون لهذا التحالف الجديد من دور آخر سوى استجرار القوى النووية العظمى إلى الشرق الأوسط للاشتراك في هذه الحرب المذهبية الدائرة بين الشيعة والسُنة. ويمكن لهذا الموقف الذي اختارته روسيا أن يدعم قوة تأثيرها في قضايا الشرق الأوسط، ويضمن لها إنقاذ حليفها الأسد. وليس مهماً التوقف عن الوعود التي يقدمها بوتين للولايات المتحدة وبقية الدول الكبرى من أجل شرعنة حملته العسكرية في سوريا، ومنها الزعم بأنه يدعم فكرة تضافر جهود القوى العظمى في الحرب ضد الإرهاب، والعمل على تأليف حكومة انتقالية تضم كافة أطياف الشعب السوري، أو حتى الإشارة إلى أن الأسد لا بد أن يرحل في النهاية، إلا أن هذه المزاعم كلها تبقى فارغة المحتوى ما لم يثبت أنه أدرك الحقيقة الأساسية التي يقوم عليها الصراع في سوريا. وينبغي على بوتين أن يفهم أولاً أن الأسد جزء من المشكلة، وعليه أيضاً أن يبدأ مشروعه السلمي بإقناع حليفه الأسد بالتوقف عن إلقاء البراميل المتفجرة على السكان الآمنين. *كاتب أميركي متخصص بالعلاقات الدولية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»