بالطبع هو اتفاق سيئ، و«الجمهوريون» وبعض «الديمقراطيين»، الذين يعارضونه محقون. ولكن لابد أيضاً من أن نقول إن «الانتقادات سهلة، وأيضاً لا تكلف غالياً»، وهي الوسيلة المفضلة لأعضاء الكونجرس، خصوصاً مَن كان منهم في المعارضة، كما أنها ميزة خاصة للمرشحين الرئاسيين، ولا سيما أن مهمتهم الوحيدة هي إثارة حماس أنصارهم. ومنتقدو الاتفاق النووي الأخير الذي أبرم بين الولايات المتحدة وإيران معهم كل الحق في الإشارة إلى التحدي الخطير الذي تمثله إيران في الوقت الراهن، إذ إنها تتطلع للهيمنة في منطقة مهمة من العالم. وهي بالطبع متورطة في حرب واسعة النطاق في المنطقة تشمل سوريا والعراق والأراضي الفلسطينية. وتساعد طهران نظام بشار الأسد القاتل في سوريا، ومن ثم تتحمل مسؤولية أساسية عن تنامي قوة تنظيم «داعش» الإرهابي والقوى المتطرفة الأخرى في تلك الدولة وفي العراق المجاور، حيث توسّع نفوذها وتشعل التطرف الطائفي في آن واحد. وتدعم إيران أيضاً «حزب الله» و«حماس»، وكلتاهما وكيلتان للنفوذ الإيراني في لبنان وسوريا وفلسطين. وإذا كانت طهران ستحصل على أسلحة نووية، أو تصبح على أعتاب أن تكون دولة نووية، فإن قوتها الإقليمية، ستكون أكبر بكثير، وكذلك قدرتها على مقاومة الضغوط الخارجية. وهذا كله صحيح، ولكنه ليس جديداً، فالتحدي الناشئ الذي تمثله إيران يختمر منذ سنوات، وعلى الرغم من أن محاولات منعها من الحصول على سلاح نووي كانت دائماً ضرورية، فإنها لم تكن دائماً العنصر الوحيد في استراتيجية كبح جماح القوة الإيرانية. وأي استراتيجية جادة تهدف إلى مقاومة الهيمنة الإيرانية تتطلب أيضاً مواجهة إيران على جبهات متعددة في ميدان المعركة بالشرق الأوسط. وفي سوريا، يقتضي الأمر سياسة محددة للتخلص من الأسد بالقوة، باستخدام سلاح الطيران الأميركي لمنح غطاء جوي للمدنيين، وإنشاء منطقة آمنة للسوريين الراغبين في القتال. وفي العراق، يتطلب الأمر استخدام القوات الأميركية لدحر وتدمير قوات «داعش» لكي لا يتعين علينا الاعتماد على القوة الإيرانية بحكم الأمر الواقع في القيام بهذه المهمة. وبصورة عامة، يقتضي الأمر التزاماً عسكرياً أميركياً تجاه المنطقة، وعكساً لمسار الانسحاب الفعلي والمتصور للقوة الأميركية. وعليه، يستلزم تراجعاً عن اتجاه تقليص الإنفاق الدفاعي الأميركي، خصوصاً الخفض التلقائي للتمويلات الدفاعية، إذ إنه جعل من الصعب على الجيش التفكير في الاستجابة لهذه التحديات، إذا طلب منه ذلك. وعليه، فإن السؤال الموجه للجمهوريين، الذين يحذرون وهم محقون من الخطر الذي تمثله إيران، هو: ماذا عساكم فاعلون لتمكين الولايات المتحدة من البدء في أن تكون لديها استراتيجية للرد؟ وفي عام 2013، عندما كان الرئيس أوباما يفكر في شنّ ضربات جوية ضد قوات الأسد رداً على استخدامه الأسلحة الكيماوية، عارض الجمهوريون البارزون في مجلس الشيوخ، وبعضهم الآن ضمن المرشحين للرئاسة الأميركية، هذا التحرك. وكانوا يخشون في ذلك الوقت من الابتعاد عن أنصار السيناتور الجمهوري «راند باول» المناهض للتدخل. وتذرعوا بأن مثل هذا التحرك من شأنه أن يجعل الطائرات الأميركية سلاح جو لتنظيم «القاعدة»! وباستثناء السيناتور «ليندسي جراهام»، لم يؤيد أحد من المرشحين الحاليين للرئاسة الأميركية علانية ذلك التحرك، الذي كان من شأنه أن يصبح أول خطوة حاسمة تجاه طرد الأسد وإيران من سوريا. وعلى صعيد العراق، قليل جداً من الجمهوريين، هم الراغبون في الحديث بوضوح أنه من دون التزام القوات البرية الأميركية، سيكون من المستحيل دحر تنظيم «داعش»، ومن دون مثل هذه الجهود، ستظل القوتان المهيمنتان في العراق على الأرجح، هما «داعش» وإيران. وأخيراً، والأكثر أهمية، هي موازنة الدفاع الأميركية. فقدرة واشنطن على فعل أي شيء تجاه التهديدات القائمة في الشرق الأوسط تتضاءل. ومع تنامي القوة الصينية، والتعديات الروسية، وتزايد الهيمنة الإيرانية، لا تزال الموازنة الدفاعية مسألة ثانوية في أذهان الجمهوريين، والديمقراطيين على السواء. وقد أخفقت محاولات العام الجاري في رفع التخفيضات التلقائية. وحتى الموازنة التي اقترحها الرئيس للدفاع كانت أعلى مما أقره الكونجرس الجمهوري. وعلى الرغم التحذيرات المضنية من وزراء الدفاع المتعاقبين، ورؤساء الأركان وقادة عسكريين بارزين، لم يحرك الجمهوريون، الذين يهيمنون على مجلسي الشيوخ والنواب في الكونجرس، ساكناً. وعلى الرغم أن الجيش يوشك على تسريح 40 ألف جندي من قواته العامة، فإن الجمهوريين لا يزالون أيضاً يؤيدون خفض موازنته! يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»