هل يبدو الاتفاق الإطاري الذي أُعلن عنه في سويسرا كما لو أنه سيجعل العالم بمأمن من سلاح نووي إيراني أو من سباق نووي مشؤوم في الشرق الأوسط الذي يعد أكثر مناطق العالم خطورة؟ وعندما ننظر إلى ما اتفق عليه الجانبان بالضبط فإن المشكلة الكبيرة الأولى التي تطل برأسها أمامنا على الفور هي أن إيران تقدم قصة مختلفة كثيراً للاتفاق عن تلك التي تقدمها الولايات المتحدة. فالمسؤولون الأميركيون يصفون الاتفاق بأنه تنازل قد يكون مقبولاً. لكن المسؤولين الإيرانيين في الجانب الآخر يصفون الاتفاق بأنه إذا أصبحت الصيغة النهائية لاتفاق نووي فمن الممكن وصفه بأنه كارثي إلى حد كبير. وكان أوباما بعد فترة قصيرة من توليه المنصب قد أعلن أنه لن يسمح بظهور إيران مسلحة نووياً في عهده. ومؤشرات اتفاق "لوزان" تحقق هذا الهدف ببساطة. فلن تمتلك إيران قنبلة قبل أن يترك أوباما البيت الأبيض إذا أبرم الاتفاق في نهاية المطاف. لكن بخلاف هذا هناك الكثير من الأمور محل تأويلات مختلفة. وفي المؤتمر الصحفي المشترك في "لوزان" سمعنا عن أمور مبهمة للغاية. وقدمت إيران والولايات المتحدة توصيفات منفصلة للجمهور الخاص بكل جانب منهما. وإذا ظل التوصيف دون تغيير وتغير الجمهور لصدرت صيحات احتجاج كبيرة في كلا الجانبين. وأعلن وزير الخارجية الإيراني الذي قاد فريقه التفاوضي في "لوزان" أنه شكا رسمياً للمسؤولين الأميركيين، قائلاً إن التصريحات الأميركية التي وصفت الاتفاق ليست دقيقة، ولا تشير إلى ما حدث بالفعل، بل إنها على النقيض مما قرره الجانبان. ومما زاد الطين بلة أن ملخصاً للمسودة أعدته الحكومة الفرنسية يقدم تفسيراً آخر مما يثير القلق أكثر. وحالياً نعلم أن الهدف الأصلي الخاص بتفكيك برنامجها النووي أسقطه المفاوضون الأميركيون سريعاً. فإيران ستحتفظ بكل منشآتها النووية، لكنها ستعمل بمستويات مختلفة مع تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي كما ستخضع هذه المنشآت للتفتيش. لكن هذا ليس محل نزاع. بل محل النزاع يتعلق بالمسموح لإيران بفعله بالضبط في هذه المنشآت وما مقدار التقدم المسموح به للبرنامج النووي في السنوات المقبلة ومدى السماح بدخول المفتشين، ومدى سرعة رفع العقوبات. وهذه أمور حاسمة ليس فقط لاتصالها بإنتاج إيران لأسلحة نووية في نهاية المطاف، لكن لأنها تتعلق بقرار جيران إيران مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وتركيا وآخرين بشأن إنتاج أسلحة ذرية لمواجهة إيران، التي تحقق بالفعل مكاسب إقليمية وسياسية في المنطقة المضطربة. ويذكر الملخص الأميركي الخاص بالاتفاق يقول إن إيران لن تستخدم أجهزة طرد مركزي متطورة. ولكن إيران تذكر أنها ستستخدمها. والولايات المتحدة تقول إن إيران ستفكك مفاعل الماء الثقيل في آراك. وإيران تنفي ذلك. والولايات المتحدة تقول إن العقوبات سترفع تدريجيا لكن إيران تقول إنها سترفع دفعة واحدة. والملخصان الإيراني والفرنسي يذكران أن إيران سيسمح لها باستخدام وإنتاج أجهزة طرد مركزي أكثر تقدماً تسمح بتخصيب نووي بشكل أسرع. ويزعم متحدثون أميركيون أن قواعد التفتيش لم يسبق لها مثيل. لكن المرشد الأعلى يؤكد أن "عمليات التفتيش غير الاعتيادية" غير مقبولة. وتقول إيران إن مواقعها العسكرية لن يسمح بدخول المفتشين فيها. وفرض عقوبات دولية تطلب جهوداً دبلوماسية وفنية وسياسية صعبة وطويلة الأمد. وإذا ألغيت العقوبات وبدأت إيران في انتهاك الاتفاق، فلن يتيسر فرض هذه العقوبات بسهولة أو بسرعة. ويستهدف الاتفاق تمديد ما يعرف باسم فترة "الانطلاق"، وهي المدة التي تستغرقها إيران لصنع قنبلة نووية لتصبح هذه المدة عاماً، وليس ثلاثة أشهر حسب التقديرات الحالية. وفي مقابلة مع راديو "إن. بي. آر." قبل بضعة أيام وقع أوباما في زلة لسان قال فيها: "في أعوام 2013 و2014 و2015 طورت إيران أجهزة طرد مركزي تخصب اليورانيوم سريعاً إلى حد كبير"، وهو ما قال الرئيس إنه سيقلص فترة الانطلاق "إلى صفر تقريباً". وقد يبدو من السابق لآوانه القلق بشأن ما عساه قد يحدث بعد عقد من الآن، لكن النظرة الحالية كافية لتوقع بداية سباق تسلح نووي عبر الشرق الأوسط. والاتفاق الذي يصفه المسؤولون الأميركيون قد يكون جديراً بالموافقة. لكن الاتفاق الذي تقول إيران (وفرنسا) أنه في المسودة غير مقبول تماماً. -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون نيوز سيرفيس"