لعل الانتقاد الأكبر الذي قد يوجهه المؤرخون لسجل باراك أوباما في البيت الأبيض، هو فشله الكارثي في السياسة الخارجية، فشل يعزى لتركه مؤدلجي وزارتي الخارجية والدفاع في أماكنهم بعد وصوله إلى الرئاسة. بل إنه أضاف إليهم مؤدلجين آخرين ولكن من نوع مختلف، مؤدلجين تحدوهم نزعة تدخلية. إنهم مناصرو العمل الإنساني، الذي يُعتبر بشكل عام غير ذي صلة بسياق مقاومة تنظيم «داعش» الذي صعد إلى الواجهة كقوة كبيرة في النصف الأخير من ولايته الثانية. وبحلول هذا الوقت واجه أوباما أغلبية جمهورية في الكونجرس تتميز بقلة معرفتها في قضايا السياسة الخارجية ونزعتها الانتقامية. وعلاوة على ذلك، وصل أوباما إلى الرئاسة وإلى القيادة العسكرية وهو يفتقر لاستراتيجية سياسية تشكّل ملامح تكتيكاتها في الشرق الأوسط وأفغانستان، وعندما طلب خيارات ونصائح سياسية بشأن إنهاء حروب الشرق الأوسط، مثلما وعد الناخبين بذلك، قدم له الجنرالات مخططات لمواصلة الحروب حتى النصر. والحال أن العراق تم التخلي عنه وتركه أخيراً في حالة من الفوضى السياسية والنزاع الطائفي. وفي أفغانستان، أقنع زعماء كابول الولايات المتحدة بالبقاء في البلاد تفادياً لنتيجة مماثلة، قد تحدث مع ذلك. كما أصر أوباما والقيادة العسكرية على تدخل مدمر وعديم الجدوى في ليبيا، كانت له عواقب كارثية عبر شمال شرق أفريقيا، وبحثوا في الحرب الأهلية السورية عبثاً عن حلفاء «معتدلين» بين الثوار للإطاحة ببشار الأسد. وبخصوص إسرائيل، رضخ أوباما لتحدي رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وازدرائه. وفضلا عن ذلك، ترك أوباما التعامل مع أوروبا، ومع أهم وأخطر مخاطَب للولايات المتحدة، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تحت تأثير وسيطرة زمرة من المحافظين الجدد في وزارة الخارجية، الملتزمين بسياسات متهورة ترمي للتوسع في شمال أوروبا. غير أن حكم التاريخ على سياسة أوباما الخارجية سيتوقف غالباً على نتيجة الانقلاب الذي دعمته أميركا في كييف في فبراير 2014، والذي كان القصد منه السماح بانضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي، ومن ثم حلف «الناتو» (رغم التطمينات الأميركية السابقة بالعكس). ذلك أن وقف إطلاق النار الهش الذي يسود حالياً بين القوات الأوكرانية والمتمردين الروس إنما تأتى بفضل تدخل دبلوماسي فرنسي ألماني استباقاً للنوايا الأميركية المعلنة لتزويد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة قصد توسيع الحرب ضد المتمردين. كما أن الظروف المحيطة باندلاع هذه الأزمة لم تحقق فيها الصحافة الأميركية بعد بشكل جدي، والادعاءات الروسية بأنها عمل أميركي معاد تقابل بنفي المسؤولين والمتحدثين باسم الولايات المتحدة والناتو، لكن بدون أدلة قوية ومقنعة. واللافت أن الرأي العام الأوروبي ومعظم الصحافة الأوروبية، المتعودين على اتباع الأميركيين في مسائل السياسة الخارجية الرئيسية، عبّرا عن تشكك لافت بشأن دافع وهدف الدورين اللذين تلعبهما الولايات المتحدة والناتو في أوكرانيا حالياً، واللذين يبدو أنهما إشعال حرب غير مرحب بها مع روسيا. ففي نهاية الأسبوع الماضي، نشرت أسبوعية «دير شبيجل» الألمانية تحقيقاً في التصريحات، النارية في كثير من الأحيان، التي تصدر عن قائد الناتو الجنرال فيليب بريدلاف (وهو ضابط أميركي)، والذي تعتبره الحكومةُ الألمانية الوجهَ الرئيسي في الجهد الأميركي «الرامي إلى إحباط جهود الوساطة الأوروبية». فالكثير مما يقوله هذا الجنرال يعتبر في مقر المستشارية في برلين «بروباجندا خطيرة»، وكانت وزارة الخارجية الألمانية قد احتجت عليه أمام أمين عام الحلف. المجلة كتبت تقول: «إن أوباما يبدو في شبه عزلة. فهو لم يقم بأي شيء (تقريباً) لتهدئة من يسعون لزيادة التوتر مع روسيا وإيصال أسلحة إلى أوكرانيا، حيث تقول مصادر في واشنطن إن تصريحات بريدلاف المتصلبة تلقى اهتماماً من البيت الأبيض والبنتاجون أولا.. وإن دور الجنرال هو زيادة الضغط على حلفاء أميركا المتحفظين في الناتو». لكن لأي هدف؟ ليس الحرب بكل تأكيد؟ أم أن هدفها تغيير النظام في روسيا؟ إنه سؤال يبدو من المستحيل إيجاد جواب أو حتى نقاش له في الإعلام الأميركي. فأوروبا ليس لديها جواب، وربما أوباما نفسه لا يعرف. فهل سيُترك الأمر للمؤرخين؟ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»