عندما نفذت بعض العناصر الإرهابية جريمة «كرم القواديس» في شبه جزيرة سيناء المصرية في أكتوبر الماضي، موقعة قتلى وجرحى في صفوف أبناء القوات المسلحة المصرية، أشرت في مقال لي بهذه الصحيفة الغراء بوضوح إلى أن المعركة التي تخوضها مصر ضد الإرهاب ليست سهلة، وأنها ستكون طويلة ومكلفة، وها هي اليد الإرهابية الآثمة نفسها تضرب مجدداً في سيناء، مستهدفة مقارَّ أمنية وعسكرية لتقتل أكثر من ثلاثين شخصاً وتصيب العشرات، معظمهم من العسكريين الذين تمكنوا خلال الشهور الثلاثة الماضية من توجيه ضربات مؤلمة ومؤثرة لهذه الجماعات الإرهابية. واللافت للنظر في العمليات الإرهابية الأخيرة، التي نفذها تنظيم ما يعرف بـ«أنصار بيت المقدس»، الذي بايع مؤخراً تنظيم «داعش»، أنها جاءت بالتزامن تقريباً مع المحاولات الفاشلة من قبل جماعة «الإخوان المسلمين» لاستغلال الذكرى الرابعة لثورة الخامس والعشرين من يناير في إثارة الفوضى والاضطراب في المدن المصرية المختلفة، وهو ما يؤكد بوضوح أن هناك نوعاً ما من التنسيق والتعاون بين هذين التنظيمين الإرهابيين، وهو أمر أشار إليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في كلمة تلفزيونية له عقب اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة لمناقشة سبل الرد على الهجمات الإرهابية الأخيرة، حيث ذكر أن قيادياً هدده قبل عزل الرئيس «الإخواني» محمد مرسي بجلب مقاتلين من دول عدة لمحاربة الجيش المصري، في إشارة إلى أحد القيادات «الإخوانية». كما سبق أن أعلن أحد قيادات الجماعة أن الهجمات التي يتم شنها على الجيش المصري في سيناء ستتوقف فور الإفراج عن مرسي. ولعل هذا ما يزيد من صعوبة الحرب التي تشنها مصر على الإرهاب، وتشابك أبعادها الداخلية والخارجية. إن المعنيين بقضايا مكافحة الإرهاب يدركون جيداً حجم التحديات التي تواجه الجيوش النظامية والأجهزة الأمنية الرسمية في تصديها ومحاربتها للتنظيمات المتطرفة والإرهابية، فهذه التنظيمات تعمل كخفافيش الظلام التي تخطط لتنفيذ بعض الهجمات الإرهابية ثم تلوذ بالفرار، لتبدأ بعد ذلك مهمة البحث عنها وملاحقة عناصرها والداعمين لها، وهي مهمة لن تكون سهلة إذا كانت المساحات التي يتحرك فيها هؤلاء الإرهابيون متسعة ووعرة التضاريس وغير مغطاة جيداً بوسائل المراقبة والاتصال الحديثة، مثلما هي الحال في سيناء. ولا يعني ذلك أن هزيمة هذه التنظيمات الإرهابية والقضاء عليها أمر مستحيل أو بالغ الصعوبة، فمن خلال التخطيط الأمني الجيد يمكن تحقيق هذا الهدف بنجاح، وهو أمر بدأ يتحقق بالفعل في سيناء من خلال الإجراءات الأمنية الواسعة التي أقرتها الحكومة المصرية في الأشهر الأخيرة، لكن المقصود هنا هو أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت، خاصة أن الفترة التي تسلم فيها «الإخوان» حكم مصر عملوا خلالها على تمكين الجماعات المتطرفة، التي تمكنت بدورها من استغلال حالة الفوضى الأمنية في أعقاب ثورة 25 يناير لتسليح عناصرها بأسلحة حديثة ومتطورة، وبالتالي فإن مواجهة هذه التنظيمات الإرهابية ستكون لها تكلفة مادية وبشرية، نحن على ثقة تامة بأن الشعب المصري بكل فئاته على استعداد لتحملها من أجل التخلص من هذا الورم الخبيث الذي يعيث في الأرض فساداً. إن القلق الذي بدأ ينتاب بعض الناس من إمكانية أن ينجح هذا التنظيم الإرهابي في أن يستوطن شبه جزيرة سيناء ويحولها إلى وضع شبيه بما هو حادث الآن في العراق وسوريا، حيث يسيطر تنظيم «داعش» على أراض واسعة يقيم فيها دولته الرجعية ويفرض فيها قوانينه المتطرفة، هو أمرٌ غير مبرر على الإطلاق، ولن يحدث إلا في خيالات العقول المريضة لأتباع التنظيمات المتطرفة كـ«داعش» و«الإخوان المسلمين»، والمتعاطفين معهم، الذين أظهر بعضهم شماته غريبة في شهداء الجيش المصري الذين دفعوا حياتهم ثمناً للدفاع عن وطنهم، على نحو يُظهر إلى أي حد فقد هؤلاء وطنيتهم مقابل الانتماء إلى جماعة لفظتها فئات الشعب المصري كلها بعد أن اتضح أنها غير أمينة على هذا الوطن وشعبه. أقول إن هذا القلق غير مبرر، وإن وقوع عملية إرهابية هنا أو هناك، لا يعني أن الإرهاب تمكن من مصر، فخفافيش الظلام التي تظهر ليلاً لتنفيذ جرائمها القذرة وتختفي نهاراً، سيتم القضاء عليها إن عاجلاً أو آجلاً، ليس فقط من خلال العمليات التي تنفذها الأجهزة الأمنية، والتي يُتوقع أن تزداد صرامة وحسماً بعد العملية الأخيرة، وإنما أيضاً - وهذا هو الأهم - من خلال نبذ الشعب المصري لكل القائمين بهذه الجرائم والمتعاطفين معهم، فهذه العناصر لم ولن تجد لها حواضن شعبية، لا في سيناء، ولا في غيرها من المدن المصرية الأخرى، ومع كل عملية إرهابية تقوم بتنفيذها، سيزداد غضب الشعب المصري والتفافه حول قيادته ووطنه في هذه المعركة المصيرية مع قوى الإرهاب والتطرف. وهي معركة لا تقف فيها مصر بمفردها، فغالبية الدول العربية، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، تدعم مصر العزيزة في هذه المعركة الحاسمة، وخاصة أن هذه الجماعات الإرهابية لا تستهدف دولة دون أخرى، وإنما تستهدف تهديد أمن واستقرار المنطقة العربية برمتها. كما أن غالبية دول العالم أعلنت استنكارها لمثل هذه الجرائم الإرهابية البشعة، لكن المهم هو أن تقرن هذه الدول، ولاسيما الكبرى منها، المواقف اللفظية بتقديم دعم حقيقي لمصر في حربها على الإرهاب المقيت.