تندلع الفوضى ويسود التسيب كلما انهار القانون، هذه من المسلمات الثابتة، يتكرر هذا الكلام على خلفية الاضطرابات التي تشهدها مدينة فيرجسون. ولنا في التاريخ عبرة، فجل المظاهرات ذات الطابع العرقي التي خرجت خلال نصف القرن الأخير لم تندلع إلا بعدما تعرضت فكرة المساواة أمام القانون للتجاوز على يد القضاء أو وصلت رسالة إلى السود مفادها أنهم ليسوا على درجة المساواة نفسها أمام القانون مع البيض، بل هم فقط طرائد مناسبة للشرطة المتعصبة كلما عنَّ لها ذلك. ولعلنا نتذكر جميعاً احتجاجات عام 1992 التي لم تندلع، كما يعتقد البعض، بسبب ظهور شريط الفيديو الذي صور رجال الشرطة وهم يعتدون بالضرب على رجل أسود منبطح أرضاً، بل عندما قال القضاء كلمته وبرأ الشرطة، وبالطريقة نفسها لم يخرج الناس للاحتجاج في فيرجسون بسبب قتل مايكل براون، بل لأن أحد المدعين العامين المنحازين في المدينة أعلن أن هيئة المحلفين العليا التي وجهها منذ البداية لم تتجشم حتى عناء توجيه التهم لقاتل الفتى وضمان مثوله أمام المحكمة. ولربما استندت هيئة المحلفين العليا إلى ما بدا لها دوافع حقيقية لعدم توجيه التهم، إلا أن الفشل في عرض الشرطي أمام المحكمة جاء تتويجاً لسلسلة من عمليات القتل التي ظلت دون عقاب، وبالطبع عندما لا يستجيب القانون لانتظارات الناس ويفشل في إقرار مبدأ المساواة، علينا ألا نستغرب حالة الفوضى التي نراها اليوم. ومع أن ردود الفعل العنيفة غالباً تأتي بنتائج عكسية لأنها تمد العنصريين بتبريرات إضافية لتشديد القوانين، إلا أنه عندما تنظر الشرطة إلى الشباب الأميركي الأسود على أنه عدو المجتمع الذي يتعين توقيفه ومضايقته والتحرش به، ثم إخضاعه للتفيش وجعله على الدوام محط شبهة، وأحياناً يُعتدى عليه بالضرب ثم القتل، فيجب ألا نتوقع من هؤلاء الشباب التحلي بالصبر واحترام القانون، وعندما يتم إدخال السود للسجون حتى تغص بهم لجنح بسيطة تتعلق بتدخين سيجارة محشوة بالحشيش، فيما يتم التغاضي عن الطبقات الوسطى العليا من البيض التي تستهلك مخدرات صلبة، فمن حق الشباب السود أن يشكوا في أن القانون يتعامل معهم ليسوا كمواطنين أميركيين متساوين في الحقوق والواجبات، بل ينظر إلى لون بشرتهم. لذا إذا أردنا لحالة الفوضى المتفشية في فيرجسون أن تتوقف، علينا بناء فيرجسون وأميركا جديدتين، حيث يطبق القانون بالتساوي على الجميع، وحيث كون الإنسان أسود لا يبرر اعتقاله وتفتيشه، وأحياناً قتله. محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»