في اليوم التالي لعودة الخميني، سار معمّم مقرّب منه يدعى خلخالي، برفقة شبان يقودون الجرافات، نحو ضريح رضا بهلوي في طهران وحوّلوه إلى ركام، وقيل إن ابنه محمد بهلوي فقد القدرة على الوقوف على قدميه في مشفاه بالقاهرة منذ لحظة سماعه ذلك النبأ. لُقب مؤسس إيران الحديثة بـ«رضا شاه كبير»، فقد وصل هذا الجندي غير المتعلم إلى الحكم سنة 1925، وبدأ في انتشال بلاده الغارقة في الفقر والجهل والفساد، نتيجة غياب حكومة مركزية قوية، فقاد عملية إصلاح واسعة بدعم الجيش الذي أعاد تنظيمه، وأنشأ شبكة طرق حديثة وسكك حديدية، وسرّع من وتيرة التصنيع، وافتتح المدارس والجامعات، وسمح للمرأة بالتعليم، وأرسل البعثات الدراسية إلى الخارج. ومع هذا، فقد استبدّ بالحكم، وارتطم بالشريعة. وإذا كان الخطأ الأول مفهوماً عند تأسيس دولة من الصفر تقريباً، خصوصاً إذا كانت تركة التخلف ثقيلة.. وإذا كان الناس يتحملون ذلك ما دامت عجلة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي تدور وتدرّ عليهم تنمية ومعيشة.. وإذا كان مزاجهم يهضم فكرة وجود ملك يحكم بنفسه، فلم يكن لخطئه الثاني أي مبرر. كان رجال الدين يضعون أيديهم على التعليم والقضاء قبل مجيئه، إضافة لصلاحياتهم الدينية الواسعة، فأنهى سيطرتهم على التعليم، وأبعدهم عن القضاء، لكنه لم يكتفِ بتقليم أظافرهم، إذ فرض خلع الحجاب، وأصبح سفور المرأة شرطاً لدخولها الفضاء العام. وبعد 16 عاماً من الحكم، تعرضت بلاده لغزو سوفييتي وبريطاني مزدوج، وأُجبر على التنازل عن العرش لابنه. ورغم أن الشاه الجديد، محمد رضا بهلوي، أكمل مسيرة والده التنموية، وتحالف مع الغرب، فإنه لم ينتبه إلى حشرة الأرضة التي تسللت إلى العرش الذي ورثه، وكانت كالسلاح بيد بعض رجال الدين، وكان الحجاب الأساس، الذي بنوا عليه فكرة كراهية الأسرة البهلوية للإسلام، واعتبروا قرار حظره بداية للغزو الثقافي، وانتهاكاً للعفة والطهارة.. إلخ، وأصبح رجل الدين الذي همّشه رضا شاه، يتستر بالحجاب، ويتباكى عليه، ثم يسدّد طعناته. صحيح أن رضا شاه توقف عند هذا الحد تقريباً، فيما اعتبر معاداة منه للإسلام، إلا أن الحجاب هوية المرأة المسلمة، وركيزة من ركائز زيّها التقليدي المتوارث، لدرجة أن آلاف الأسر، خصوصاً في الجنوب، تركوا مواطنهم فراراً بدينهم. ورغم أن ابنه خفّف من العداء للحجاب، لكن لم يكن بوسعه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بل زاد في مظاهر «التغريب»، وزادت الأسلحة في يد خصومه. ولا يمكن تقييم فترة حكم رضا شاه هكذا، ولا الربط السطحي بين الحجاب والثورة «الإسلامية»، التي قامت ضد ابنه بعد 40 سنة من حظره، لكن لا يمكن تجاهل الثغرة التي أحدثها في حكمه بلا داعٍ، والتي ربما ساهمت في التعجيل بإسقاط أسرته، وجعلت الناس ينفضّون من حول ابنه، ويسيرون خلف خلخالي لهدم ضريحه.