في التاسع عشر من سبتمبر، وبعد ستة أسابيع على شروع الولايات المتحدة في توجيه ضربات جوية لأهداف تابعة لـ«داعش»، أعلنت فرنسا عن قيام مقاتلة «رافال» بتدمير مخزن تموين إرهابي في شمال شرق العراق. ومن تلك الضربة الجوية، خرج الائتلاف العسكري الدولي الذي يحارب «داعش» إلى الوجود. ومنذ ذلك الحين، قامت ثمانية بلدان أخرى بقصف أهداف يشتبه في أنها تابعة لـ«داعش» في العراق وسوريا، أو أعلنت أنها ستفعل ذلك مستقبلاً. بيد أن التشكيل المفاجئ نسبياً للائتلاف، والذي يشارك في الجانب العسكري للحملة الدولية ضد «داعش» كان لافتاً، وإن كان مفاجئاً كذلك. صحيح أن العديد من الحكومات كانت تتوق إلى التدخل في الحرب الأهلية السورية منذ سنوات، ثم في محاربة «داعش» بشكل مباشر؛ غير أنه فقط حين رخّص الرئيس الأميركي للضربات الجوية، انضمت بقية البلدان، وذلك بعد أن ضمنت الوزن الكامل للقوة العسكرية الأميركية لدعم هذا الجهد. البيت الأبيض وصف تشكيل هذا الائتلاف العسكري باعتباره دليلاً على أنه يتفادى أخطاء إدارة بوش الابن، التي تبنت مقاربة أحادية تجاه حرب العراق. ومن جانبه، قال وزير الدفاع تشاك هاجل: «إن ائتلافاً واسعاً كان وسيظل حجر الزاوية لاستراتيجيتنا ضد داعش». والواقع أن أوباما يستحق الإشادة لانتهاجه هذه المقاربة. فإذا كان يعتقد أن التدخل العسكري يمثل فكرة جيدة، فإن تقاسم العبء وتوسيع شرعيته السياسية أمر ينم عن الحكمة والذكاء. وقد اعترف مسؤولون أميركيون بأن سوريا ما كانت ستُقصف دون المشاركة الفعلية لبلدان أخرى. غير أنه لما كان مسؤولو البنتاجون يقولون صراحة الآن، إن الجانب العسكري للحرب ضد «داعش» سيستغرق عدة سنوات، فإنه يجدر بالأميركيين أن ينظروا إلى الإشادة التي تغدقها حكومتهم على هذا الائتلاف بحذر، وذلك على اعتبار أن مساهمات الشركاء والتزاماتهم تتقلص تدريجياً في وقت يعيدون فيه حساب مصالحهم الوطنية، أو حين يرون تقلصاً للتهديدات التي تواجههم، أو نفاداً لأموالهم وقنابلهم. وهناك أسباب كثيرة للاعتقاد بأن ذلك هو ما سيحدث مع شركاء الولايات المتحدة العسكريين. فأولاً، إذا كانت إدارة أوباما تشدد على أن الضربات الجوية وحدها لن تهزم «داعش»، وهي محقة في ذلك، فإن الالتزام بالقوة العسكرية هو أكثر عمل دلالة وأهمية يمكن لأعضاء الائتلاف القيام به، وذلك لأن تأثير قصف الأشخاص والأشياء فوري ومباشر ومن السهل توثيقه. وخلافاً لأنشطة أخرى غير ملموسة، مثل منع انتشار الأيديولوجيا المتطرفة، فإن كل بلد يفترض أن يكون مسؤولاً، ويحاسَب على أي خسائر جانبية يتسبب فيها أو أشخاص غير مقاتلين يتأذون من القنابل التي يلقيها. وبالتالي، فإذا كانت وزارة الخارجية الأميركية تشدد على المساهمات غير العسكرية لـ55 بلداً في التصدي لـ«داعش»، فينبغي إيلاء اهتمام خاص لتلك البلدان التي تشارك طوعاً في العمليات الحربية الفعلية. ثانياً، ينبغي توقع تقليص بعض المشاركين العسكريين لالتزاماتهم أو انسحابهم من الائتلاف كلياً. ففي أبريل 1991، تشكل ائتلاف أميركي بريطاني فرنسي لفرض حظر جوي على شمال العراق (شمال خط العرض 36)، وبعد عام على ذلك أقام الائتلاف منطقة حظر طيران أخرى جنوب خط العرض 32. غير أنه من الناحية العملية، كانت الطائرات الأميركية الوحيدة، التي تهاجم رادارات الدفاع الجوي وصواريخ أرض جو العراقية. وعندما أعلنت واشنطن ولندن في 1996 أن منطقة حظر الطيران الجنوبية سيتم توسيعها إلى خط العرض 33، رفضت فرنسا القيام بدوريات في تلك المنطقة. ثم غادرت فرنسا منطقتي حظر الطيران كلياً على أساس أن ما بدأ كمهمة إنسانية تحول إلى أداة لمعاقبة صدام حسين. ثالثاً، ينبغي أن نأخذ في عين الاعتبار المحاذير الوطنية؛ والمقصود بذلك قواعد الاشتباك التي تقيد ما تستطيع الجيوش القيام به داخل بلد أجنبي. ففي أفغانستان، مثلاً، تم نشر قوات المساعدة الأمنية الدولية «إيساف» بعد أن طُلب منها التقيد بمجموعة من التعليمات بخصوص أين ومتى وكيف يمكنها التحرك، وشمل ذلك: عدم القيام بعمليات ليلية، وعدم القيام بدوريات حربية خارج مسافة معينة من القواعد أو المستشفيات، وعدم تنفيذ ضربات جوية، وعدم القيام بدوريات مشتركة مع الأفغان. وقد ذكر لي عقيد في الجيش الأميركي قاد فرقة حربية في الجزء الشرقي من أفغانستان عام 2009 كيف أن جنوده سعوا جاهدين إلى تحديد مهمات محدودة وضيقة يمكن لقوات «إيساف» تنفيذها. ولأنها كانت مهمات غير قتالية بالأساس، فإن ذلك كان يزيد من الأخطار التي تواجهها القوات البرية الأميركية. ومثلما هو متوقع، يبدو أن ثمة محاذير وطنية داخل الائتلاف المناهض لـ«داعش». فالبلدان الأوروبية أعلنت أنها ستنفذ ضربات جوية في العراق فقط، بينما لم تهاجم البلدان العربية التي تقصف سوريا، حتى الآن، سوى الأهداف الثابتة، مثل منشآت التخزين، ومراكز التدريب، ومصافي النفط. لكن هل ستوافق القوات الجوية الأوروبية على الاستمرار في مهاجمة «داعش» في حال تراجع الجزء الأعظم من موارد التنظيم ومقاتليه إلى سوريا؟ وبينما تصبح «داعش» أكثر حركية وانتشاراً، ستصبح الأهداف متحركة أكثر، وسيصبح عنصر الوقت مهماً وحاسماً؛ فهل ستوافق الحكومات العربية حينها على تسخير طائرات حربية إضافية، وتحمل أخطار إضافية عبر قصف قوات «داعش» التي تتكيف مع الأوضاع الجديدة بسرعة؟ خلاصة القول إنه على الأميركيين أن يرحبوا بحذر بما وصفه أوباما بأنه «ائتلاف دولي غير مسبوق». ففي الأشهر التي تلت 11 سبتمبر، كان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد يشير إلى كيف أن 90 دولة ستشارك في «أكبر ائتلاف في تاريخ البشرية» في الحرب العالمية على الإرهاب. بيد أن ذلك المستوى الأولي من الالتزام سرعان ما أخذ يتبدد تدريجياً فيما واصلت الولايات المتحدة حربها على الإرهاب بطريقة عارضها العديد من أعضاء الائتلاف السابقين. وكان يحلو لرامسفيلد القول: «إن المهمة هي التي تحدد الائتلاف؛ والائتلاف لا يجب أن يحدد المهمة». والواقع أنه بإمكان المرء أن يتنبأ بأن بعض أعضاء الائتلاف سيرغبون في مرحلة ما مستقبلاً في إعادة توجيه ضرباتهم الجوية ضد نظام بشار الأسد؛ لكن ماذا سيحل بالائتلاف عندما تصبح تلك هي المهمة؟ ميكا زينكو زميل مركز العمل الوقائي التابع لمجلس العلاقات الخارجية في نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»