في باريس وقع السيدان مالك عقّار، رئيس «الجبهة الثورية السودانية»، والصادق المهدي، رئيس حزب «الأمة»، السبت الماضي، إعلاناً مشتركاً أطلقا عليه «إعلان باريس لتوحيد قوى التغيير من أجل وقف الحرب وبناء دولة المواطنة والديمقراطية». إعلان باريس لم يأت بالجديد، وهو في مجمله صيغة متكررة لإعلانات وبيانات ومواثيق المعارضة السودانية الحالية في نضالها من أجل إسقاط نظام «الإخوان المسلمين» وإحلال البديل الديمقراطي الذي يتطلع إليه شعب السودان.. يقول الإعلان: «إن الاجتماع استجابة لرغبة شعبنا وتطلع قواه الحية في ضرورة وحدة قوى التغيير من قوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني ووضع نهاية لسياسات النظام التي ترمي لزرع الفتن والشكوك بين قوى التغيير وتمزيق النسيج الاجتماعي السوداني». فتأكيد الطرفين على وحدة السودان على أسس جديدة قائمة على العدالة والمواطنة، ووقف الحرب كمدخل لأي حوار جاد وعملية دستورية ذات مضمون يستلزم إجراءات لتهيئة المناخ وتوفير الحريات.. أمر متفق عليه بين قوى المعارضة. وأكد الطرفان أنه لا تناقض بين رغبة شعبنا في حل سلمي شامل ضمن عملية دستورية توقف الحرب وتحقق الانتقال الديمقراطي. وربما كان الجديد أن الصادق المهدي صرح عقب توقيع الإعلان بأنه لو قبل النظام بمبادئ الإعلان فخير ولو رفض فنحن ذاهبون في طريق الانتفاضة. ولعل الأمر الآخر الجديد هو إعلان «الجبهة الثورية» استعدادها لوقف العدائيات في جميع مناطق العمليات. لكن الرد جاء سريعاً على هذه المبادرة الإنسانية من الدكتور إبراهيم غندور نائب رئيس حزب «المؤتمر الوطني»، والذي قال إن حزبه لن يوافق على وقف جزئي للعدائيات؟! ومن ناحية أخرى فإن متحدثاً باسم الحكومة قلل من أهمية لقاء السيد المهدي بعقار قائلا إنه «لن يحدث أي أثر في مسيرة الحوار القومي». بينما رحب حزب الترابي («المؤتمر الشعبي») بإعلان باريس، وإن حذّر الأمين السياسي للحزب من «مكايدات حزبية» قد تعلب دوراً في إفشال مضمون الإعلان! النقطة المحورية الواضحة في الإعلان هي تكرار الحديث عن الأزمة الإنسانية في مناطق العمليات وتعرض المدنيين في المعسكرات والقرى لنقص حاد في الطعام والدواء واستمرار الطيران الحربي في قصف المخيمات ومنع وصول مواد الإغاثة إلى السكان فيها. وفيما يبدو برنامجاً عملياً فقد أجرى أصحاب إعلان باريس اتصالات داخل الوطن بالقوى السياسية، الحاكمة والمعارضة، فاتصل المهدي بالدكتور مصطفى إسماعيل (الحزب الحاكم) والترابي (المؤتمر الشعبي) ومحمد مختار الخطيب (الحزب الشيوعي) وحسن مساعد (مدير مكتب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي في لندن).. وأوفدوا ياسر عرمان للقاء فاروق أبو عيسى المتواجد في لندن ودعوته للحضور في باريس، وهي دعوة وصفها أبو عيسى بأنها «عزومة مراكبية»، وقال إنه رد عليهم بأنه ليس إلا منسق لـ«تحالف قوى الإجماع الوطني» وسيعرض الأمر عليهم. وبالنسبة للقوى الدولية والإقليمية، فقد عرضت «الجبهة الثورية» قضيتها على الاتحاد الأوروبي ووجدت مساندة من الحكومة الفرنسية، وأعلنت أنها تدرك أهمية مخاطبة دول الجوار الإقليمي والمجتمع الدولي والدول الأفريقية، والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لأخذ العلم بالإعلان ومباركة مخرجاته، وهي وقف الحرب وضرورة الشروع في عملية دستورية تحظى بثقة الشعب. وأخيراً فإن أهم ما أسفر عنه «لقاء باريس التاريخي» ما جاء في الإعلان: «ناقش الطرفان بعمق علاقة الدين بالدولة كواحدة من القضايا الجوهرية واتفقا على مواصلة الحوار كصيغة مرضية لكل الأطراف».