في يناير الماضي عندما حرَّض القرضاوي على الإمارات، في خطبة الجمعة، من عاصمة قطر الدوحة، وعبر التلفزيون الرسمي القطري، الذي كان ينقل على الهواء مباشرة خطبة الجمعة، وهو يقول «الإمارات تقف ضد كل حكم إسلامي»، لم تمتلك الدوحة الشجاعة الكافية كي تعترف بأنها من يحرض شيخها الهرِم على قول ذلك، فقد أعلنت في كل منابرها أن هذا رأي القرضاوي، ولا علاقة لها به، وهو يأتي من منطلق حرية التعبير. اليوم يتأكد لكل من كانت لديه ذرة شك، أن تبني قطر لتوجه تنظيم الإخوان المسلمين، الذي تأوي جميع قياداته الهاربين في دوحتها، يجعلها غير قادرة على إخفاء ميولها العدوانية تجاه من يقف في وجه هذه الجماعة الإرهابية، ومن أفشل مشروعها الرجعي، بدءاً بمصر وانتهاء بالإمارات، وبدل أن تعدل قطر مسارها وتعود إلى جادة الصواب مع أشقائها في مجلس التعاون الخليجي، فإنها تبتعد أكثر وأكثر في عناد ومكابرة لا مبرر لهما. والتحريض الأخير الذي انطلق من قطر ضد الإمارات، التي تقدم مساعداتها الإنسانية لشعب غزة المحاصر والمحارب من العدو الإسرائيلي، منذ أسبوعين وأكثر، والعدوان الذي راح ضحيته مئات الشهداء من الأطفال والنساء والرجال، وأكثر من ألفي جريح، فضلاً عن عشرات البيوت والمساجد والمباني التي هدّمت، كان تحريضاً مقززاً ومثيراً لاشمئزاز أي إنسان يحمل ذرة إنسانية وأخلاقاً إسلامية، ففي الوقت الذي تقوم فيه الإمارات بتقديم المساعدات لإخواننا الفلسطينيين، أبناء شعب غزة، تخرج علينا الأبواق القطرية لتروج أن أفراد الهلال الأحمر الإماراتي الذين يحملون الأغذية والأدوية والمواد الإغاثية ليسوا فريق إغاثة، وإنما عناصر استخباراتية إماراتية تتجسس على الشعب الفلسطيني! أي مستوى من الأخلاق وصل إليه البعض في الإصرار على المتاجرة بدماء الأبرياء، سنوات طويلة والعرب يتاجرون بالدم الفلسطيني الطاهر من أجل مكاسب سياسية هنا وهناك، وإسرائيل تعربد في الأراضي الفلسطينية، وتضم المزيد من الأراضي، وتبني المزيد من المستوطنات، والسبب هذا السلوك العربي المنفعي والاستغلالي من البعض، فمن أجل مصالحهم لم يعد لديهم مشكلة في إزهاق أرواح بريئة، ولم تعد تؤثر فيهم صور أولئك الأطفال الذين يموتون بسبب القصف الإسرائيلي، وهم في عمر الزهور، أمهات ثكالى وآباء قتلى يموتون وهم واقفون، يرون فلذات أكبادهم تخطفهم الآلة العسكرية الإسرائيلية، والعرب يتفرجون، بل وبعضهم يمعنون في المتاجرة بدماء أولئك الأبرياء! أمر لم نتوقعه من الشقيقة الجارة العربية المسلمة، التي يفترض أنها تعرف أصول الجيرة -على الرغم من عدم التزامها بها لأكثر من مرة ومن دون سبب! القطريون يعرفون تماماً أن الفريق الإماراتي الموجود في غزة ليس سوى مجموعة من العاملين وبعض المتطوعين في الهلال الأحمر الإماراتي، لذا فإن تصرف قطر، الذي صدر من خلال بعض المحسوبين عليها، في وسائل التواصل الاجتماعي، على مدى الأيام الماضية، يكون تحت طائلة القانون، فإن تعرض وفد الهلال الأحمر الإماراتي لأي مكروه، فإن قطر تتحمل مسؤولية تعريض الوفد للخطر، بسبب تحريضها المباشر ضد أولئك الأبرياء. أبناء الإمارات الذين تركوا وطنهم وأطفالهم وزوجاتهم وأمهاتهم وآباءهم في هذا الشهر الفضيل، وذهبوا لمساعدة إخوانهم في غزة أصبحوا في خطر حقيقي، وربما من يتابع مواقع التواصل الاجتماعي يلاحظ تأثير التحريض القطري على الآخرين ممن لا يعرفون الحقيقة، ويصدقون ما كتبه القطريون من تلفيق على ذلك الفريق الإنساني، فقد صدق البعض أن الإمارات ترسل جواسيس إلى غزة وليس رجال إغاثة! أما عيدية قطر الكبرى، فقد كانت فبركتها خبر اجتماع الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية بليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي في باريس، وبث الاتهامات بأن الإمارات تتعاون مع إسرائيل على حرب غزة، من أجل سحق «حماس»! لقد ذهبت الدوحة بعيداً بفبركاتها وعدم مصداقيتها ومحاولات تشويهها لصورة الإمارات، وإن كانت المسألة هي تصفية حسابات، فإنها تصفية حسابات ساذجة لاتليق بكيانات تعتبر نفسها دولاً، واتهام الإمارات بأنها تمول الحرب الإسرائيلية ضد غزة من خلال تقرير نشرته «الجزيرة نت»، لا أعتقد أنه يدخل ضمن تصنيف «حرية الرأي والتعبير»، ولا أعتقد أن قطر ستتنصل من هذا التقرير، وتقول إن القناة مستقلة وليس للدوحة سلطة عليها، ولا تتدخل في شؤونها، فقد تجاوز جميع العرب هذا الكلام منذ زمن. وبالأمس نفى فوزي برهوم الناطق باسم حركة «حماس» على صفحته في «فيسبوك» تلك الأنباء التي تتحدث عن دعم دولة الإمارات لتمويل أي عملية عسكرية إسرائيلية على غزة لإنهاء حكم «حماس»، ومن الجانب الآخر نفت مديرة القناة الإسرائيلية الثانية بث القناة لأي خبر عن اتفاق أو اجتماع بين الإمارات وإسرائيل، مما يؤكد تلفيق قناة «الجزيرة» للخبر وتعمدها الإساءة إلى الإمارات من خلال نشر أخبار كاذبة، وهنا لزم على «الجزيرة» تقديم اعتذار علني واضح وصريح إلى دولة الإمارات حكومة وشعباً عن هذه الإساءة الكبيرة، وأعتقد أن المهنية الإعلامية والمصداقية تحتمان عليها تقديم اعتذار سريع ومباشر. الأشقاء في قطر يعلمون أكثر من غيرهم أن الإمارات لم تستقبل رئيساً إسرائيلياً في عاصمتها، وأن الإمارات لم تفتح سفارة لإسرائيل على أرضها، وأن الإمارات لم تطبع علاقاتها مع إسرائيل، وأن الإمارات لا تقدم مساعدات ولا تبني مستوطنات للإسرائيليين، وأن الإمارات لا تفتح قنواتها الإعلامية للمسؤولين الإسرائيليين كي يبرروا جرائمهم على الهواء مباشرة للرأي العام العربي، كما أن أهل قطر يعرفون أن المسؤولين الإماراتيين «لا يصيفون» في تل أبيب، ويعرفون أن أبناء الإمارات لا يدرسون في إسرائيل، وأنها لا تسمح للإسرائيليين بزيارات طلابها في جامعاتها، وأهل قطر يعرفون أكثر من ذلك بكثير. الحملة القطرية «الإخوانية» على الإمارات والمستمرة منذ بداية العام الجاري وبشكل منظم وممنهج، والتي تنطلق من الدوحة تارة، ومن عواصم غيرها تارة أخرى، لم تعد خافية على أحد، وتنصل الدوحة من اتفاق الرياض، على الرغم من تعهدها بالالتزام به، لأكثر من مرة يجعل قراءتنا للتصرفات والمواقف القطرية لا يمكن إلا أن تكون في إطار التزام الدوحة بمشروع «الإخوان» وتمسكها به أكثر من التزامها بمجلس التعاون الخليجي. كنا نتمنى أن تؤثر نفحات شهر رمضان المبارك هذه الأيام على أرواح وقلوب ونفوس البعض ممن امتلأت قلوبهم حقداً وشراً، وممن أخذتهم العزة بالإثم، لعلهم يرجعون إلى ضميرهم وإلى الحق وأن يقلبوا صفحة الأخطاء الماضية، ولو فعلوها صادقين لقلبنا صفحة الماضي وعدنا كما كنا بخير، ولكنهم للأسف لم يفعلوها.