يستمر السفراء في عملهم فترة قصيرة، ويبلغ متوسط مدة عمل سفراء بريطانيا في الخارج نحو ثلاثة أعوام، لذا أبدو حالة نادرة، إذ قضيت أربعة أعوام في منصبي كسفير لدى دولة الإمارات منذ أبريل 2010 وحتى نهاية الأسبوع الجاري. وقد تم إنجاز كثير من الأعمال المهمة خلال تلك الفترة، على الأصعدة السياسية والتجارية، إضافة إلى رعاية الجاليتين البريطانية والإماراتية. وخلال هذه الفترة، أُرسيت بين بريطانيا والإمارات أساليب عمل جديدة، ربما أكثر فعالية من أي وقت مضى منذ قيام دولة الإمارات العربية المتحدة. ورغم الأهمية الكبرى لكل ذلك، فإن المهمة الرئيسة للسفير هي أن يمثل رئيس دولته، وفي حالتي، منحتني جلالة الملكة خطاب «اعتمادي» لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ونصه: «أمنح اعتمادي لخادمي المخلص والموثوق دومينيك جيرمي»، وقد سلمت هذا الكتاب شخصياً. لكن أكثر حدث استثنائي بشأن هذا المنصب لم يكن فقط أن الملكة زارت الإمارات في عام 2010، حيث بدأت عملي في الدولة، وإنما أيضاً أن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان قام بعد عامين بزيارته الرسمية الكريمة إلى المملكة المتحدة. وقد كان قضاء بعض الوقت مع سموهما بصورة غير رسمية أثناء هاتين الزيارتين تكريماً لي، ولا زلت أتذكر تلك المحادثات الهامشية بقوة، وكما هي الحال في المحادثات الخاصة، يفترض أن تبقى كذلك، لذا أعجز عن الحديث عنها. لكن في ضوء ذلك الانطباع القوي من قائدي البلدين عبر وسائل الإعلام، أثمن حقاً ميزة المشاركة على مستوى شخصي بدرجة أكبر. وقد كان للزيارتين، رغم التخطيط والعمل الجاد لإجرائهما، متعة كبيرة حقيقية وقد استمتعنا بهما جميعاً، لدرجة أنني استمتعت حتى بالأشياء التي لم تمض حسب الخطة. وإذ قدر لي يوماً أن أكتب مذكراتي، فربما ستجدون مزيداً من التفاصيل بشأن ذلك. وبصفتي سفيراً، تمكنت من الوصول إلى كل الأماكن المدهشة في المجتمع الإماراتي، وأكثر الجوانب التي سأفتقدها هي حضور المجالس الإماراتية. وبينما كانت بعض هذه المجالس تستضيف أشخاصاً كثيرين، وبعضها الآخر يقتصر على المقربين، فإنها كانت دائماً شديدة الترحاب. وفي بعض الأحيان، كان هناك سفراء آخرون، وفي أحيان أخرى، كنت أنا الوحيد غير الإماراتي بين الحضور. وأيّاً كان من يعقد المجالس، فقد كانت دائماً تتسم بالتحضر والود. وأحب خصوصاً تلك المحادثات الانتقائية التي كانت مع أشخاص يجلسون إلى جانبي، وربما لم أكن قد قابلتهم من قبل. وقد اصطحبت كثيراً من الوزراء البريطانيين إلى مجالس الأسر الحاكمة خلال الأعوام القليلة الماضية، وقد أدهشهم دائماً أعداد الضيوف، ونطاق النقاش والتفاصيل الثقافية؛ من القهوة العربية والتمور والبخور، وفي بعض الأحيان إلقاء الشعر. وقد حالفني الحظ إذ تمكنت من استخدام دوري كسفير في دعم كثير من القضايا القيمة، وقبل أسابيع قليلة استضفت حفل استقبال لجمعية «منقذو الرؤية» (سايت سيفرز) الخيرية التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها والتي تركز على الحد من حالات العمى التي يمكن تفاديها في أنحاء العالم. وسأذكر دائماً دعم مركز المستقبل للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال زيارته واستضافة حفله السنوي لجمع التبرعات، لما لقيته من أهمية كبيرة، والإخلاص المذهل من قبل المعلمين والأسر، وفوق كل شيء، الأطفال العظماء. ولا أنسى أن المركز بات أكثر صلة عندما استجاب لأحد الموظفين العاملين معي عندما أصبح في حاجة له. وعلى صعيد القضايا الدفاعية هنا، ثمة كثير من الأنشطة العسكرية الثنائية، ويتم الإعلان عن بعضها في وسائل الإعلام، مثل زيارات السفن، وتواجد القوة الجوية الملكية في معارض الطيران وغيرها. وقد كان اعتلاء متن السفن الحربية امتيازاً خاصاً، لكن تلك الأحداث المخيفة هي التي تبقى في الذاكرة، وقد أقنعني الملحق الدفاعي البريطاني أن القفز بمظلة مع «الشياطين الحمر» ستكون فكرة جيدة. وبعد أن دعونا طاقم التلفزيون لتصويري، تذكرت أن «الشياطين الحمر» هم فريق السقوط الحر بالمظلات التابع للجيش البريطاني، وأدركت أننا ربما لن نستخدم المظلة كثيراً! وكان القفز من طائرة على ارتفاع 15 ألف قدم فوق «نخلة جميرا» في دبي واحدة من أكثر التجارب بهجة ومتعة في حياتي. وطلبوا مني أن أنظر إلى الكاميرا بينما أقفز، لكني كنت مشغولا جداً بالنظر أسفل إلى أكثر منظر استثنائي شاهدته من قبل لنخلة جميرا، بينما كنت أتساءل ما إذا كنت سأبقى على قيد الحياة للحديث إلى طاقم التصوير التلفزيوني الذين ينتظرني على الأرض! غير أن معظم الأيام الأخرى كانت أقل إثارة بكثير، حيث ملأت الاجتماعات بشأن التجارة والأمن والسياسة الإقليمية والجالية البريطانية جدول الأعمال، إلى جانب إدارة الاجتماعات المرتبطة بواحد من أبرز وأكبر عشرة أطقم سفارات بريطانية. وفي بعض الأحيان كانت تواتيني فرصة القيام ببعض الأشياء المختلفة، ومنذ شهرين، قاد فريق الاستثمار والتجارة البريطاني مهمة للاطلاع على الصناعات الإبداعية والتجزئة الفاخرة، في إطار حملة «بريطانيا العظمى» التي بدأناها منذ أولمبياد عام 2012. وتأهبت لإلقاء كلمة كالمعتاد، إلا أن كل شيء تغير. وإذا سألني أحد قبل ثلاثين عاماً بشأن ما إذا كنت أرغب في أن أصبح عارض أزياء، لربما كنت مسروراً، لكن بكل صراحة كنت سأشعر بدهشة عارمة، فلم أحصل على وظيفة في حياتي بناء على مظهري. ولا أذكر كيف أقنعني فريق التجارة والاستثمار البريطاني بأن أشارك بعرض ملابس بريطانية في عرض أزياء فاخرة، فقد شعرت بالقلق والخجل وكنت أجر قدماي، وحاولت أن لا أنظر إلى بعض الأصدقاء الإماراتيين في الصف الأمامي الذين كانوا يكتمون ضحكهم.. وباستثناء ذلك كله استمتعت بالمرح! ماذا حقق كل ذلك؟ ربما ليس دوري أن أجيب على هذا السؤال، لكن بقدر أهمية منصبي للمملكة المتحدة، فقد كان امتيازاً لي أن أخدم هذه العلاقات التاريخية والديناميكية، بصفتي سفير المملكة المتحدة لدى دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الأعوام الأربعة الماضية، والتي كانت بالغة المتعة. وآمل أن يكون أصدقائي الإماراتيين والوافدين قد استمتعوا بها أيضاً! ----- دومينيك جيرمي سفير بريطانيا لدى دولة الإمارات