الحياة مليئة بالأوهام، وربما نحتاج جميعاً إليها كي نعيش، ولكن الأوهام تبدو وفيرة بصورة خاصة في عالم السياسة والسلوكيات الحكومية، ولكن ضررها أكثر من نفعها. على الصعيد المحلي، يعتقد «الديمقراطيون» و«الجمهوريون» المحليون أن حزبيهما لديهما كافة الحلول للعلل الأميركية، بينما يتوق حزب «الشاي» لتجديد أميركا التي لم تعد عملية أو محتملة، وحتى أنصار الحزب «الجمهوري» يبالغون في الإصلاحات المالية التي يمكن بشكل ما أن تتفادى الزيادات الضريبية. ويرى مؤيدو أوباما ومعارضوه أنه إما واحداً من أعظم الرؤساء الأميركيين، أو أنه أحدث ظهور لبصمة الشيطان على الأرض. ولطالما ميزت «المفاهيم النموذجية عن الواقع» أو «الأوهام» السياسات الخارجية الأميركية أيضاً، وفيما يلي مجموعتي المفضلة، التي أبرزتها الإدارات "الديمقراطية" و"الجمهورية" على السواء. الوهم الأول: «يجب أن تقوم السياسات الخارجية الأميركية على المبادئ وأن تكون متسقة». ولكن الأمر ليس كذلك، ونادراً ما كان على هذا النحو، فقد أرسينا مبادئنا في الماضي، وسنفعل مرة أخرى في المستقبل، ولكن العالم شديد التعقيد، وهناك حاجة للمرونة، كما أن المصالح الأميركية شديدة التنوع، لدرجة أنه لا يمكن تصور ارتكازها على المبادئ، أو أن تكون متسقة في جميع الأوقات. وحتى المواظبة على تأييد مجموعة من المبادئ العامة مثل الحرية والديمقراطية تعتبر جسراً أيضاً، فعلى سبيل المثال، تدخلنا في ليبيا للإطاحة بمعمر القذافي، ولكننا لن نتدخل في سوريا للتخلص من بشار الأسد الذي لا يقل عنه شراً. وتعتبر التناقضات والنفاق جزءا من مهام القوى العظمى، وحتى الصغيرة منها. الوهم الثاني:«السؤال الأساسي لأي تحرك أميركي هو: هل يمكننا فعل ذلك؟». هناك أسئلة أخرى لنسألها، ففي كثير من الأحيان نقوم بعمل لأنه يمكننا، ومن دون تفكير في تبعات أو أهداف ما نفعل، فعلى سبيل المثال نعكف على جهود ضخمة لبناء الدولة في العراق وأفغانستان ونحاول صنع السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، قائلين لأنفسنا: ولم لا.. نحن الولايات المتحدة وعلينا إصلاح الأمور! ولكن القدرة تكاد تكون المتغير الوحيد، خصوصاً عندما يتضمن الأمر القوة العسكرية، فهناك على الأقل ثلاثة أسئلة مركزية أخرى نحتاج إلى مناقشتها قبل أن نلقي بثقلنا خلف أي مساع سياسية كانت أو عسكرية هي: ما هو الهدف من فعلها؟ وهل ينبغي أن نفعلها؟ وما هي تكلفة فعلها؟ الوهم الثالث: «المحاولة والفشل أفضل من عدم المحاولة على الإطلاق». ليس بالضرورة، ومثلما قال الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ووزير الخارجية جون كيري إن مفهوم «أن لا ضير في المحاولة» هو أمر يحتاج إلى بعض العمل الجاد، فربما أن المحاولة تكون ملائمة للطلاب في الجامعة، ولكنها ليست بديلاً عن السياسة الخارجية لأكبر قوة في العالم. وبالطبع للفشل تكاليف، وكذلك عدم فعل شيء، لذا لابد من الموازنة بين الأمرين دائماً، وليس هناك سبيل لضمان النجاح، ولو أن نهج السياسية الخارجية لا يرتكز على أسس صحيحة، فلا شك أنه يتجه إلى المتاعب. وربما أن محادثات «كامب ديفيد» و«جنيف» بشأن سوريا كانت ستصبح جيدة لو كانت لدينا خطة بديلة، ولكن لم تكن لدينا، وتركنا حالة من الفراغ التي دفعت الدول إلى اعتقاد أننا لا نعرف ما نفعل. الوهم الرابع: «لا ينبغي الخلط بين السياسات الداخلية والخارجية». يبدو ذلك مضحكاً، فالسياسة الداخلية مهمة حتى في المجتمعات الاستبدادية، فكيف لا تهم في دولة ديمقراطية، خصوصاً في دولة السلطة فيها مقسمة. وفي أية دولة ديمقراطية، تعتمد السياسات الخارجية القابلة للاستمرار على الإجماع الداخلي، ويتشكل هذا الإجماع بناء على عوامل كثيرة في نظامنا تشمل: الرأي العام وأصحاب المصالح وجماعات الضغط ووسائل الإعلام. ويبدو الأمر مثل منافسة حقيقية، وهي كامنة في طبيعة نظامنا، وفي الحقيقة يمكن للرؤساء الأقوياء أصحاب الإرادة أن تكون لهم سياسات ذكية حتى في ظل الضغوط المحلية المفتعلة. الوهم الخامس: «إنه القرن الحادي والعشرون: ألا يدرك بقية العالم ذلك؟». كلا إنهم لا يدركون، ومن المفهوم تماماً السبب وراء ذلك، فعندما يتحدث جون كيري عن تصرفات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القرن الحادي والعشرين، كما لو أنه لا يزال يعيش في القرن التاسع عشر، أشك في أننا نفهم ذلك حقيقة، وربما أن الولايات المتحدة لا تولي اهتماماً للتاريخ والجغرافيا، لكن الدول الأخرى مهتمة بهما. وأعتقد أن العالم يتحسن بالفعل، وأن الحاضر أصبح أكثر إيجابية من خلال تعلم دروس التاريخ، ولكن ذلك لا يعني أن التحول أصبح كاملاً، وأن الماضي لا يلقي بظلاله الطويلة على سلوك الدول الأخرى أو الزعماء. « الوهم السادس: الاستثنائية الأميركية انتهت». كلا لم تنته، وإنما فقط ليست للتصدير، فالمسافرون للولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، من المفكر السياسي "ألكسيس دي تكتوفيل" إلى اللورد "برايس"، أكدوا بوضوح أن أميركا كانت مختلفة عن أوروبا، وهي متفردة حقيقة، ولا يزال ذلك حقيقياً حتى اليوم. وهناك ثلاثة عناصر تحدد الاستثنائية الأميركية: هي الاستقلال والأمن المادي الذي يقدمه المحيطان ودول الجوار الضعيفة، والحجم المادي ووفرة الموارد، والنظام السياسي الذي يعتمد على فكرة أهمية الأفراد وأن بمقدورهم التقدم بفضل امتيازاتهم. وما من دولة ديمقراطية أخرى في عالم اليوم أمكنها انتخاب رجل أسود وجعله أقوى زعيم في العالم، ولم يمكن للبريطانيين أو الفرنسيين أو الأستراليين فعل ذلك. ولكن لا شيء من ذلك يجعلنا متفوقين أخلاقياً أو حراساً للحكم الجيد، ولكن يمكن أن يجعلنا قوة للخير في العالم، ولكن ما علينا فهمه هو أن استثنائيتنا خاصة ولا يمكن نقلها للخارج كنموذج للاقتداء به، ونوقع أنفسنا في المتاعب عندما نحاضر بقية العالم عن أنهم يجب أن يكونوا مثلنا ويقتفوا أثرنا. آرون ديفيد ميلر يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»