تؤكد عدم رغبة النظام السوري في الانخراط في محادثات جنيف بشكل جدي ضرورةَ القيام بجهد مواز لتغيير حسابات النظام والسماح للولايات المتحدة والمعارضة المعتدلة بالعودة إلى المفاوضات بموقف أفضل، لأن تلك هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها إنهاء هذه الحرب الوحشية. والواقع أن الأحداث التي شهدتها حمص تُبرز انحطاط استراتيجية البؤس التي يتبعها الرئيس السوري؛ لكن النزاع اتخذ بعداً أمنياً يبعث على القلق بالنسبة للولايات المتحدة خلال الأشهر الأخيرة. ذلك أن هجوم الأسد المكثف، الذي يشمل قصفاً مستمراً لعناصر المعارضة السورية الأكثر اعتدالاً، خلق فراغاً يتم ملؤه من قبل المجموعات الجهادية التي تمثل تهديداً لنا أيضاً. وفي هذا السياق، أخبر مدير الاستخبارات الوطنية «جيمس كلابر» ومدير وكالة الاستخبارات المركزية «جون برينان»، الكونجرس الشهر الماضي بأن شرق سوريا أخذ يتحول إلى ملاذ لـ«القاعدة» والمجموعات التابعة لها، مثل «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وبأن بعض هذه المجموعات يتطلع إلى مهاجمة بلدنا؛ حيث قال كلابر في شهادته إن حركة التمرد السورية تضم أكثر من 7 آلاف مقاتل أجنبي وإن الكثير منهم سيعودون إلى أوطانهم في أوروبا وأماكن أخرى بعد أن تحولوا إلى مقاتلين مخضرمين حنكتهم المعارك. ولأنه لا حل سياسياً يلوح في الأفق، علينا أن نغيِّر المسار. فعملية جنيف ينبغي أن تستمر لأنها هي الكيفية التي ستنتهي بها الحرب؛ غير أنه يتعين على الولايات المتحدة القيام بمجموعة من الإجراءات لمعالجة التهديد الفوري الذي تطرحه «القاعدة» في سوريا، ومنح جنيف فرصة للنجاح. بيد أنها لن تستطيع تحطيم «القاعدة» بمفردها. لذلك علينا أن نعمل على تقوية عناصر المعارضة المعتدلة نسبياً لأنها تتحدث وتقاتل باسم أغلبية السكان وتتقاسم مع الشعب السوري رغبته في التخلص من الأسد والمقاتلين الأجانب، وتستطيع استعادة المناطق التي يبسط عليها الجهاديون سيطرتهم. فالمسؤولون الأميركيون يعتقدون أن أغلبية المقاتلين ليسوا مرتبطين بـ«القاعدة»، وإن كان بعضهم إسلاميين. وهذه القوات وقفت في وجه «القاعدة» في أجزاء من سوريا خلال الأسابيع الأخيرة. وإذا لم نقم بمساعدتهم الآن، فقد نجد أنفسنا قريباً أمام هجوم إرهابي مصدره معسكر لـ«القاعدة» في شرق سوريا. غير أننا، لحسن الحظ، نستطيع تقوية المعارضة المعتدلة للحد من مكاسب «القاعدة» والمساعدة على تغيير معادلة الأسد. ولهذا الغرض، يتعين على الولايات المتحدة، أولاً، مد القوات المعتدلة المناوئة للأسد ولـ«القاعدة» بالمساعدة لجذب الناس إليها وصرفهم عن المتطرفين، وبناء المناطق المحررة والتصدي لهجمات النظام حتى تستطيع تلك القوات التركيز على «القاعدة». ولعل خير طريقة للقيام بذلك هي توفير المال لدفع الرواتب؛ إذ من خلال مساعدة مجالس الحكومات المحلية التابعة للمعارضة على دفع أجور المعلمين والعمال الطبيين والموظفين وأفراد الشرطة، نساعدهم على اكتساب الشرعية وإقامة النظام العام، مما سيخلق بديلاً للمتطرفين ولنظام الأسد. والواقع أنه يمكن اتباع مقاربة مماثلة لتعزيز وتقوية الكتائب التي تقاتل «القاعدة». فهناك حاجة للأسلحة أيضاً، لكن عمليات نقل الأسلحة معقدة من الناحية اللوجستية وتستغرق وقتاً طويلاً. وفي هذا الأثناء على مقاتلي المعارضة إطعام أنفسهم وعائلاتهم؛ علماً بأن المجموعات المتطرفة، التي تتلقى الأموال من داعميها الأجانب، يدفعون أجوراً أكثر سخاءً. غير أنه سيكون من الأساسي التحقق من خلفيات زعماء المعارضة والكتائب الذين يتلقون المساعدات المالية مع ضرورة تبني موقف واقعي: ذلك لأن البعض قد يتحول إلى لاعبين سيئين. أما البديل، فهو أن أولئك اللاعبين السيئين سيستمرون في تلقي معظم المساعدات التي تتدفق على مناطق المعارضة، بينما لا يحصل المعتدلون على شيء. ثانياً، بينما تعمل الولايات المتحدة على تعزيز المعارضة المعتدلة وتقويتها، يجب الحد من تدفق الأسلحة على نظام الأسد والمجموعات المتطرفة. والطريقة الأكثر فعالية لضمان ذلك هي فرض عقوبات على البنوك التي تموِّل شحنات الأسلحة إلى النظام وعلى ممولي «القاعدة». كما أن من شأن استهداف هذه المؤسسات خلق عراقيل لمحاولات النظام إعادة الإمداد وممارسة الضغط على الداعمين الدوليين، لمساعدتنا على التوصل لحل دبلوماسي. وأخيراً، إذا كنا نرغب في الفوز بدعم المعارضة السورية ضد «القاعدة»، فعلينا مساعدتها على حماية المدنيين من فظاعات الأسد، ومن ذلك وابل «القنابل المتفجرة» التي تسقط على البلدات الخاضعة لسيطرة المعارضة. فمنع الأسد من استعمال المروحيات والطائرات لقتل المدنيين من شأنه تمكين المعارضة المعتدلة من المساعدة على تقليص الخوف الدائم من الموت من الجو؛ كما يسمح لها بتحويل مواردها لمحاربة المتطرفين. وثمة طرق عديدة لتحقيق هذا الهدف مع الشركاء والحلفاء، من العمل مع وكلاء في المنطقة إلى الضربات الجوية، وهي أعمال محدودة من حيث النطاق ولا تشمل وضع قوات أميركية على الميدان. عند النظر إلى سوريا، لا نرى فقط فرصاً ضائعة طوال ثلاث سنوات من النزاع. فهناك مصالح أميركية جوهرية في خطر، والوضع القائم لا يمكن أن يستمر. ولئن كانت هذه الخطوات تنطوي على مخاطر، فإن البديل أسوأ بكثير: تعافي «القاعدة» من الضربات التي وجهتها لها الولايات المتحدة، واكتسابها معقلاً جديداً، ومواصلة الأسد لمذابحه. لذلك، علينا تغيير الظروف من أجل حماية أنفسنا والعودة إلى طاولة المفاوضات بموقف يضمن النجاح. ------ صامويل بُرجر مستشار الأمن القومي الأميركي للرئيس بيل كلينتون من 1997 إلى 2001 ------ ينشر بترتيب خاص مع «خدمة واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»