منذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة والحديث لا يكاد ينتهي عن دورها في تنمية المجتمعات والرقي بأفرادها وتعزيز الاتصال البشري من جهة، وفي المقابل التحذير من السلبيات النفسية والاجتماعية المترتبة عليها نتيجة الإدمان عليها أو استخدامها استخداماً غير رشيد بما يعود بالضرر على الفرد والمجتمع من جهة أخرى. وهناك مظاهر عديدة للاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي من «فيسبوك» و«تويتر» و«انستغرام» و«يوتيوب» وخدمات التراسل الفوري، إلا أن انتشار خطاب الكراهية من تحريض ضد الآخرين وتشويه صورتهم بالإساءة المتعمدة والتعرض اللفظي لهم، هي من أخطر الاستخدامات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي وأكثرها ضرراً على النسيج الاجتماعي، خاصة إذا ما تفشى هذا الوباء في المجتمعات وعمل على نخر بنائها وقواعدها. وفي الغرب تقوم بعض المجموعات المناهضة للكراهية والتشهير والمدافعة عن الأقليات بالضغط على شبكات التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» و«تويتر» لتشديد الإجراءات ضد المشاركات والحسابات التي تنشر الكراهية والتحريض ضد هذه المجموعات. وفي أستراليا، نشر معهد مناهضة «الإسلاموفوبيا» تقريراً أوضح فيه أن الأستراليين ضمن أكثر الجنسيات كراهية للإسلام في وسائل التواصل الاجتماعي كونهم الأعلى تعليقاً ومتابعة للصفحات المناهضة للمسلمين في «فيسبوك». وأشار التقرير إلى أن انتشار خطاب الكراهية في الإعلام الجديد من أسباب زيادة حالات الاعتداء على المسلمين المقيمين في أستراليا. وفي عالمنا العربي، تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى وسائل للفتنة الاجتماعية بسبب انعدام ثقافة الحوار وعدم تقبل الاختلاف بل وعدم الاعتراف بإنسانية صاحب الفكر المخالف في كثير من الأحيان. ولذلك تحول الإعلام الاجتماعي عند كثيرين من «سوق حرة للأفكار» يُفترض أنه يوفر لهم منصات حرة للنقاش والحوار إلى ساحات للتحريض ونشر الكراهية ضد الآخر وتأجيج الصراعات السياسية والدينية والأيديولوجية والمذهبية. وعلى المستوى المحلي، لم يعرف أبناء الإمارات الخطاب الإعلامي القائم على الكراهية والتحريض بين أبناء الوطن الواحد. فقد مارست وسائل الإعلام التقليدية دوراً متوازناً في المحافظة على النسيج الاجتماعي للوطن من خلال خطابها المتزن والمتسامح الذي يعكس سلوك أهل الإمارات ونهج قيادتها. وفي الآونة الأخيرة، ظهرت في وسائل التواصل الاجتماعي لغة تهدم أكثر مما تبني وتضر أكثر مما تنفع، وذلك عندما تجاوزت نقد سلوك بعض الأفراد إلى التحريض ضدهم. وعوضاً عن التحذير من الأفكار والممارسات الدخيلة على الوطن، جنحت إلى التعريض بالسباب والشتائم بحق من يتبناها أو يمارسها. وعوضاً عن الدفاع عن الوطن وقيادته ضد من قد يتعرض لهما بسوء من التصريحات الاستفزازية عن طريق الحجة الدامغة والمنطق والقول البليغ إلى إسفافٍ في القول ولغة مفعمة بالكراهية ضد الآخرين، حتى انطلقت دعوات تطالب المشاركين «بأن نرتقي بالحوار في «تويتر» من القاع الذي سقط فيه، خاصة أن الإساءة والإساءة المضادة حلقة ضارة مفرغة، وهي بلا شك تفريغ لحجة المنطق والرأي. إن الارتقاء بالحوار في وسائل التواصل الاجتماعي بات أمراً ملحّاً أكثر من أي وقت مضى، وكون الشخص قد امتلك الوسيلة والمتابعة الجماهيرية فذلك يلقي على عاتقه مسؤولية تمثيل مجتمعه ووطنه بالصورة المثلى، سواء عند مخاطبة الآخرين أو عند إدارة النقاشات والحوارات بين أبناء الوطن الواحد، وذلك بالترفع عن لغة الإسفاف وتحقير الآخرين امتثالاً للحديث الشريف: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره.. وبحسب المرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم». إن نشر قيم التسامح وتعزيز السلم بين بني البشر باختلاف أعراقهم ومشاربهم لهوَ من الغايات الدينية والإنسانية العليا. ولا يمكن بأي حال وقف الصراعات بين الناس، إلا أنه من الممكن تخفيفها إلى أدنى حد، أو تأجيجها وإذكاء نارها باستخدام لغة التحريض والكراهية ضد المخالف.