فيما يتجه وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى تل أبيب ورام الله بحثاً عن اتفاق مازال صعب المنال بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإن احتمالات نجاح كيري ضعيفة، وحتى إذا استطاع التوصل لاتفاق إطار بشأن وضع دائم، فلا يعني هذا إمكانية تطبيقه. لكني أكثر تفاؤلا نوعاً ما مع انقضاء عام 2013 وقدوم عام جديد بشأن احتمالات نجاح كيري، وهذه هي الأسباب. فمجرد رغبة وزير الخارجية في التوصل لاتفاق واستعداده للعمل بلا كلل في سبيل هذا، لا يضمن النجاح. لكن كيري يعتقد حقاً أنه يقدم للجانبين اتفاقاً يوحي بتضييق بعض الفجوات في القضايا المحورية. فلا نتنياهو ولا عباس يعرفان كيفية التوصل إلى اتفاق بأنفسهم، بل ما كان لهما أن يأخذا بزمام المبادرة لو تركا وشأنهما. فكيري هو الذي يجمع بينهما ويمسك العملية دون أن تقع. ودعنا نرى ما إذا كان دأبه على العمل قد يساعد الجانبين على الاعتراف باتفاق إطار ثم تطبيقه. ولا يخدعنك الأمر، فما كان لكيري أن يقطع هذه المسافة بغير العمل في المنطقة المريحة لنتنياهو. وسوف يتعين على كل طرف أن يخرج من شرنقته، قبل التوصل إلى الاتفاق. لكن رغبة نتنياهو للإذعان لهذه العملية نابع من اعتقاده بأنه يستطيع فرض بصمة فيها، سواء تُوصل إلى اتفاق أم لا. وضمن ست قضايا يرجح أن يغطيها اتفاق الإطار، يعتقد نتنياهو أن ثلاثاً منها سوف تحطم طريقه وهي الأمن واللاجئون والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. وليس هذا لأن عباس قبل الموقف الإسرائيلي من هذه القضايا الثلاث، لكن لأن واشنطن قبلتها. فالأميركيون لن يدعموا وجهة النظر الفلسطينية بشأن حق العودة ويؤيدون بالفعل قضية «إسرائيل كدولة يهودية». وإذا صحت التقارير الصحفية بشأن القضايا الأمنية والشكاوى الفلسطينية، فقد تستطيع إسرائيل إبقاء قواتها في غور الأردن وتأمين الحدود وتطبيق إجراءات أمنية تقنية متطورة لمكافحة الإرهاب. ونتنياهو هو الفائز في كل الحالات. فإذا قبل عباس بعضاً من هذا، فسيزعم نتنياهو أنه حصل من شريك عربي أكثر مما حصل بيجين من السادات أو رابين من حسين في قضايا أقل حساسية بكثير مع مصر والأردن. وإذا رفض عباس فإن نتنياهو سيظل في وضع جيد في الولايات المتحدة وسيبدو كبطل ومدافع عن مبادئ إسرائيل الأساسية. والحقيقة أنه لا توجد في أي من المعاهدتين مع مصر والأردن إشارة للاعتراف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي. وفي القضايا الثلاث الأخرى، وهي الحدود والقدس وإنهاء الصراع، فنتنياهو ليس في وضع سيء على الأرجح. ولا توجد أدلة بعد، لكن من المرجح أن يلعب بالصيغ التي تقبل حدود ما قبل يونيو 1967 مع تعديلات وتبادل للأراضي. وإنهاء الصراع كان قضية سعي إليها الإسرائيليون أيضاً، رغم أنها تلزمهم بمعالجة كل القضايا بما فيها القدس. والفلسطينيون هم الطرف الأضعف في هذه المفاوضات وليس لديهم الكثير مما يلعبون به. وهددوا بالانسحاب من المفاوضات وقدّم عريقات استقالته واستمرت المحادثات رغم هذا ورغم النشاط الاستيطاني الإسرائيلي الواسع. وإذا كان عباس ضعيفاً، فلماذا يقبل اتفاق إطار يجبره على الاستسلام؟ وما الذي سيخرج به من الصفقة؟ أولا: إطلاق سراح السجناء وهو أمر صعب على الإسرائيليين، لكن تم تسليم سجناء بالفعل مما حقق ارتياحاً في الجانب الفلسطيني. ثانياً: إذا تم التوصل إلى اتفاق فسوف يتمخض عن لغة بشأن الحدود والقدس تمضي بنتنياهو لأبعد مما كان لتقرّبه من المبادئ الفلسطينية. ثالثاً: من شبه المؤكد أن الولايات المتحدة أوضحت للجانب الفلسطيني وجهة نظرها في هذه القضايا، فواشنطن أقرب إلى عباس منها لنتنياهو في هذا الشأن وهو ما سيتضح مع الاقتراب من اتفاق شامل. يستطيع عباس الاستقالة أو التقاعد أو تسليم مقاليد الأمر للسلطة الفلسطينية أو بدأ انتفاضة ثالثة. ولن يحدث هذا حالياً، لذلك من الأفضل قضاء الشهور التسعة المقررة للمفاوضات واستكشاف ما يمكن أن تحققه مساعي كيري والتعلق بأمل أنها إذا لم تنته إلى اتفاق يمكنه التعايش معه فقد تنتهي العملية بطريقة يمكن بها إلقاء اللوم على نتنياهو. ويفضل نتنياهو ألا تكون هناك جهود نشطة للسلام من جانب كيري. لكن أما وقد بدأت الجهود فلا يريد أن يكون سبباً في انهيارها. فالعواقب السياسية والاستياء الدولي... كل ذلك سيكون هائلا إذا اعتبر أنه مَن أفسدها. ولا يريد نتنياهو الذي كان الأعلى صوتاً في انتقاد اتفاق دولي مؤقت بشأن برنامج إيران النووي، أن يجد نفسه في نفس الموقف مرة أخرى فيما يتعلق بعملية السلام بوساطة كيري. ولا يريد عباس ولا نتنياهو التعرض للفراغ الذي سيتركه فشل ذريع لكيري. ولا شك أن أحد أسباب استمرار العملية هو أن لا أحد يريد أن تلقي عليه اللائمة في وأدها. فهل يمكن أن يصبح اتفاق الإطار العمل شاملا للوضع الدائم؟ هل سيكون نتنياهو وعباس هما من يطبق الاتفاق؟ وماذا عن استمرار الاستيطان؟هناك الكثير من الأسئلة والقليل من الإجابات. لكن يتعين البدء، وبعد فترة ما سيكون لدينا فهم أفضل إذا ما كانت جهود كيري هي مفتاح لغرفة خاوية أم لباب يفتح على طريق إلى مرحلة أخرى من عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ـ ـ ـ آرون ديفيد ميلر باحث في مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»