لكل فعل رد فعل في السياسة الخارجية كما في الفيزياء، والفعل الذي لا تكون تبعاته المحتملة مدروسة يسفر عن نتائج كثيرة قد يضطر رجال الدولة للاعتذار عنها، وجموع الشعب في الواقع هي من يدفع الثمن.. وهذه النصيحة في الحقيقة هي رسالتي في عطلة نهاية العام إلى أوباما، ولكن دعوني أكمل: في عام 2012، مع بداية فترته الثانية، دعا أوباما البنتاجون إلى طمأنة قادته بأن الأمة الأميركية ستبقى «حامي حمى الحرية والأمن كما عرفها العالم». وفي ذلك الوقت كانت الحرب في أفغانستان دائرة، وبدأت الاضطرابات والهجمات الطائفية -التي لا تزال مستمرة- في العراق منذ أن أعلنت الولايات أن الحرب قد انتهت في عام 2011، بعد ثمانية أعوام وثمانية أشهر وثلاثة أسابيع وأربعة أيام يومياتها المريرة. وصدّق أوباما على إنجازاته وإنجازات سلفه بوش، التي عددها -بتصرف مني- كما يلي: تحالفات قوية، وتشكيل شراكات جديدة، ودفاع عن الحقوق والكرامة الإنسانية العالمية، والدفاع عن الأمة، ومحاربة أعداء الولايات المتحدة، وتقليص عدد الأميركيين المعرضين للأذى، واستعادة الريادة العالمية الأميركية. ووعد أوباما -حسبما أكد وزير الدفاع آنذاك روبرت جيتس- بموازنة عسكرية أكبر، وبدلاً من خفض تعداد القوات، جعلها أكثر قدرة وفعالية، وأوضح أنه بعد الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام، تركت القوات الأميركية غير مؤهلة بشكل جيد للمستقبل، ولكن ذلك لن يحدث في هذه المرة «في ظل إدارته». وكان ذلك خطاباً مثيراً للفضول، ولاسيما أنه قد أشار ضمناً إلى الانتصار في حرب العراق وانتهائها.. وأن الصراع الإقليمي والطائفي قد توقف، وهو أمر غير حقيقي، وأن ذلك سرعان ما سيحدث في أفغانستان. ولكن في الحرب الأفغانية، وسعت إدارته نطاق الحرب بالفعل، من دون مشورة الكونجرس، لتشمل مناطق متاخمة لباكستان، عبر شن هجمات باستخدام طائرات من دون طيار وغارات القوات الخاصة، وهو ما فاقم مشاعر العداء تجاه الولايات المتحدة وقوض الاستقرار السياسي في إسلام آباد، وهو ما لم يصب في مصلحة أحد. وساوم الرئيس الأميركي أيضاً نظيره الأفغاني حامد كرزاي على إبقاء بعض القوات الأميركية في أفغانستان بعد انسحاب معظم القوات في نهاية عام 2014. (غير أن الاتفاقية الجديدة لا تزال خاضعة لتأثير حملات الانتخابات الوطنية وأهواء كرزاي). ومنذ أن تحدث أوباما في البنتاجون، كانت هناك عمليات نشر كبيرة للقوات الأميركية في آسيا، حيث أكد في نوفمبر عام 2011، أن القوات «تتموضع» في آسيا، وأخبر البرلمان الأسترالي بأن أمن آسيا «في مقدمة» الأولويات الأمنية للولايات المتحدة. ولم تخضع سياسات أوباما الخارجية «المتموضعة في آسيا» لشرح كامل أبداً، والمبرر الواضح لهذه السياسات هو القلق من نهوض الاقتصاد الصيني وتطور بكين العسكري ومطالبها التوسعية المتعلقة بمياه ومناطق متنازع عليها.. فهل يمثل هذا حقاً تهديداً على الولايات المتحدة؟ وبالطبع يمثل هذا الأمر قلقاً مشروعاً بالنسبة لليابان والدول المجاورة في جنوب شرق بكين بمنطقة بحر الصين الجنوبي والبحر الأصفر، ولكن إدارة أوباما تعاملت معه بشكل ضمني كما لو أنه كان قرعاً متوقعاً لطبول الحرب. (وربما ندرك أن المعارضة في الكونجرس لتوجيه ضربات في سوريا الخريف الماضي تشي بأن المزاج العام للشعب الأميركي لا يسمح بشن حرب جديدة). وتتعلق الالتزامات الأمنية الكبيرة من قبل الولايات المتحدة في شرق آسيا بأمن اليابان وكوريا الجنوبية، والنزاع الحالي الوحيد القائم يتمثل في إعلان الصين في نهاية نوفمبر إنشاء منطقة دفاع جوي جديدة في جزر متنازع عليها، الأمر الذي رفضته اليابان والولايات المتحدة وحكومات أخرى، وتم تجاهله عبر تحليق قاذفات صواريخ أميركية من طراز «بي- 52» من قاعدة غوام فوق المنطقة. وكانت المرة الأخيرة التي دعت فيها الولايات المتحدة قواتها العسكرية في الخارج إلى «التموضع» خارج الأراضي الأميركية والتزاماتها في أوروبا في عام 1950، عندما غزت كوريا الشمالية جارتها الجنوبية، حيث تم نشر وحدات الجيش الأميركي، وأسفر ذلك عن حرب دامية انخرطت فيها الصين كحليف لبيونج يانج. وعلى رغم ذلك، لابد من تسوية هذا النزاع، ولاسيما أن حالة الحرب المحدودة هذه ستبقى قائمة طالما بقيت كوريا الشمالية قلقة، وهو ما دفعها إلى اعتقال سائح أميركي عمره 85 عاماً وهو محارب متقاعد ووصفته بأنه أسير حرب، ولكنها أطلقت سراحه. وعندما قرر أوباما الترشح للرئاسة في عام 2007، فاز بصفته الشخص الذين سينهي حرب العراق التي شنها بوش، وعلى رغم أنه أنجز هذا الوعد -جزئياً كما أوضحت من قبل- إلا أنه وسع نطاق الحرب في أفغانستان، متبعاً نصيحة الجنرالات بهذا الصدد، إذ لم يكن لديه سوى خيارات محدودة. ومنذ ذلك الحين، اقتفى أوباما أثر قرع طبول الحرب في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، بقصف ليبيا وعرض قصف سوريا بحماسة، واستهل عمليات اغتيال باستخدام طائرات من دون طيار (وهو أمر غير متفق عليه في القانون الدولي)، وأبقى أيضاً على سجن جوانتانامو. وفي الحقيقة، أحدث أوباما عصراً جديداً للسرية الحكومية ومقاضاة المخالفين في الولايات المتحدة، وهي أمور كان السجل الأميركي -في الماضي- فيها مشرّفاً. وبلاشك، ستظل الحروب التي لم ينهها أوباما والمناخ الأخلاقي الذي جلبه إلى الحكومة الأميركية، خلفاً لبوش، تذكر على أنها صفات مسجلة لرئاسته، ويبدو أن هذا محبط إلى درجة الخذلان، وينبغي إنقاذ الولايات المتحدة منه أيضاً. ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفيس»