يحتمل أن تكون كلمة الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني التي سيلقيها هذا الأسبوع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تحولاً حاداً عن سياسة سلفه المتشدد نجاد. و«روحاني» إصلاحي حقيقي لكن رغبته في حمل إيران على طريق جديد يجب ألا تجعل الولايات المتحدة تغفل صعوبات التوصل إلى حل دبلوماسي. فقد ألمح روحاني إلى رغبته في تقديم تنازلات في بعض جوانب برنامج إيران النووي لإصلاح العلاقات مع باقي دول العالم وإزالة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. لكنه حذر أيضاً من أنه لا يستطيع إبعاد منافسيه المتشددين إلى الأبد، ومن غير الواضح إذا كان الإيرانيون راغبين في تقديم التنازلات التي تريدها الولايات المتحدة وحلفاؤها. وفي نهاية المطاف، فالزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي وليس روحاني، هو الذي سيتخذ القرار النهائي في التوصل إلى اتفاق. ولم يبد خامنئي إلا القليل من الميل لإمكانية التوصل لاتفاق رغم أن تصريحاته في الآونة الأخيرة أحيت الأمل في أن يصبح موقفه أكثر ليناً. وما لم يتم التوصل لاتفاق دبلوماسي، فعلى الولايات المتحدة أن تختار بين اثنين: استخدام القوة لمنع إيران من امتلاك ترسانة نووية، أو احتواء إيران حتى ينهار نظامها بسبب خلله الوظيفي. الاختيار صعب، فنحن لا نتحمل انهيار جهودنا الدبلوماسية فجأة والاضطرار، كما هو الحال في سوريا، إلى أن نندفع للأمام دون استعداد. وأنا أفضل الاحتواء على العمليات العسكرية، ويبدو هذا متناقضاً عندما يصدر عني، لأني أيدت غزواً للعراق قبل عشرة أعوام، من حيث المبدأ، لكن ليست طريقة إدارة الرئيس بوش لها. فلم تبد طهران على مدار السنوات الماضية شيئاً من تهور صدام. وعلى خلاف عام 2003، فلن يدعم غزواً شاملاً إلا قلة قليلة من الأميركيين. ولذا يتعين أن يتوقف الخيار العسكري ضد إيران عند القوة الجوية. وهناك مغامرة كبيرة في ألا تكفي الضربات الجوية وحدها لتجريد إيران من برنامجها النووي. حتى بعد ضربة عسكرية أميركية مدمرة لإيران، أخشى أن يعاود الإيرانيون النهوض وإعادة بناء البرنامج النووي والانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وطرد ما تبقى من المفتشين الدوليين ونشر ترسانة لردع أي ضربة أميركية في المستقبل. وكان لنا في صدام عبرة، ففي تسعينيات القرن الماضي اعتقد مسؤولو المخابرات أن لديهم خبرة جيدة بالمنشآت النووية العراقية فاكتشفوا بطلان اعتقادهم. فقد لا نعرف مكان كل المنشآت النووية الإيرانية وبعضها يحظى بدفاعات شديدة قد تمنعنا من تدميرها بشكل كامل. ومما يثير القلق أيضاً أنه من شبه المؤكد أن يثأر الإيرانيون لأنفسهم. فقد يطلقون صواريخ على القواعد الأميركية في الشرق الأوسط وقد يقنعون الحلفاء مثل «حزب الله» وحركة «الجهاد» الفلسطينية بإطلاق صواريخ على إسرائيل. لكن أكثر ما يقلقني أنهم قد يبدأون حملة إرهابية طويلة الأمد ضد الأميركيين تتضمن هجمات داخل البلاد. فحملة جوية أميركية لتدمير المنشآت الإيرانية النووية ستكون بداية فحسب وليست نهاية حرب مع إيران. ولو استطاعت إيران أن تعيد بناء برنامجها النووي، فلن يكون بوسع الرئيس الأميركي تجاهل هذا. وإذا ثأرت إيران وقتل أميركيون فسيتعين قطعاً على الرئيس أن يرد وربما يصعد. أخشى أنه إذا بدأنا في استخدام القوة، اعتقاداً منا أنه يمكننا أن نجعلها في حدود معينة، فإما أن نفشل أو نجد أنفسنا أمام إيران نووية غاضبة أو ننجر إلى حرب أخرى واسعة النطاق طويلة الأمد في الشرق الأوسط. الاحتواء ليس استرضاء، ولا يعني ببساطة السماح للإيرانيين بفعل ما يريدونه. فليس هكذا احتوينا الاتحاد السوفييتي أو كوبا أو كوريا الشمالية أو حتى إيران في عقود منذ ثورة 1979. فالاحتواء يضع على إيران ضغوطاً بوسائل عدة، بأن يبقيها في وضع دفاعي، وأن يشجع على تقويض النظام الحاكم وأن يبقي على العقوبات المؤلمة ويفرض عزلة دبلوماسية ويتضمن حرباً رقمية. ومما يثير المخاوف أيضاً احتمال أن تستخدم إيران أسلحة نووية- إذا امتلكتها- بشكل غير مبرر أو أن تقدمها إلى الإرهابيين. وهذا غير مرجح، فالنظام الإيراني بدا على مدار سنوات أنه شرير وقاتل ومعاد للسامية وللأميركان ودخل أحياناً مجازفات حقيقية، لكنه لم يظهر عليه أنه غير منطقي أو متهور أو انتحاري، بل دأب على أن يهاب القوة العسكرية الأميركية والإسرائيلية، وأبدى استعداداً للتراجع أمام الثأر العسكري. ودعم الإيرانيون الإرهاب منذ عام 1979، وامتلكوا أسلحة دمار شامل منذ عام 1989، لكنهم لم يمزجوا قط بين الاثنين مخافة الانتقام. ورغم هذا فهناك بعض القضايا الحقيقية المتعلقة بالاحتواء. وأهم المخاوف ثلاثة: خطورة إدارة الأزمة مع إيران نووية، واحتمال انتشار آخر للأسلحة النووية، واحتمال أن تصبح إيران أكثر جرأة في دعم عدم الاستقرار والتمرد والإرهاب. يجب ألا نستبعد أياً من هذه الأمور، لكن يجب ألا نرى في أي منها شيئاً يقوض الفكرة أيضاً. فالتفوق العسكري الأميركي الواضح على إيران ميزة هائلة. ومنذ عام 1979، لم يستطع الإيرانيون الإطاحة بحكومة أجنبية أو إشعال فتيل حركة تمرد أو حرب أهلية. ففي أحسن الأحوال، يجعلون الأوضاع السيئة تزداد سوءاً كما في العراق. لم تقطع الدبلوماسية طريقها مع إيران بعد، ودعنا نتعلق بأمل انتصارها. وإذا لم يحدث فعلينا، أن نختار الأفضل. والاحتواء يبدو لي أقل الخيارات سوءاً. وأسوأ الخيارات سيكون رفض اتخاذ قرار وأن تُفرض علينا استراتيجية معينة. كينيث بولاك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»