بعد الخلاصة التي توصلت إليها إدارة أوباما مؤخراً ومؤداها أن قوات الأسد استخدمت السلاح الكيماوي ضد المعارضة، بدأ الحديث يتصاعد في واشنطن حول تقديم مساعدات عسكرية للثوار، ومع أن تلك المساعدات ضرورية إلا أن أغلب المراقبين أغفلوا نقطة مهمة تصب أيضاً في صالح الدعم الأميركي للثورة السورية، وهي أنه بصرف النظر عن مساهمة تلك المساعدات في إسقاط الأسد فهي تبقى السبيل الأمثل لتضافر الجهود الدبلوماسية من أجل حقن الدماء. وفي هذا السياق تمثل الخطوة الأميركية بتقديم أسلحة خفيفة إلى الثوار وتزويدهم بالذخيرة مجرد خطوة أولى لاشك أنها ستمهد الطريق أمام تدخل أميركي أكبر في الصراع السوري، ولاشك أيضاً أن مثل هذا الإجراء سيثير عدداً من المخاوف بالنسبة لجميع الأطراف، ولاسيما الأسد الذي يعرف جيداً أنه لن يستطيع الانتصار حتى في ظل المساعدات العسكرية الروسية والإيرانية لو قررت الولايات المتحدة الانخراط فعلياً في الحرب. وهذا الإدراك قد يقنع الأطراف جميعاً ببذل جهد دبلوماسي أكبر لبلوغ الحل. وهذه الاستراتيجية ليست غريبة، بل سبق أن استخدمتها واشنطن في حربها ضد الزعيم الصربي، سلوبودان ميلوسوفيتش بكوسوفو في عام 1999، حيث توليت قيادة القوات الأميركية، وأظهرت أميركا وقتها أن «الناتو» مستعد فعلاً للتدخل والتصعيد، واليوم ونحن بصدد التعامل مع ديكتاتور آخر مثل الأسد فإنه لا مجال لدفعه للتفاوض حول الخروج إلا بتأكده أنه منهزم لا محالة. ولكن أوباما الذي جرب الحل الدبلوماسي لفترة من الوقت ظل متحفظاً إزاء اتخاذ أية خطوة تشي بأنه مقبل على التصعيد العسكري، وذلك على رغم فشل المحاولات الدبلوماسية، أو تعثرها. ولعل أوباما ينظر إلى المصاعب والتعقيدات المرتبطة بالتدخل العسكري وهي كثيرة، فلا أحد يريد المزيد من الدمار والقتل في منطقة مضطربة مثل الشرق الأوسط. ولا تريد أميركا التورط في حرب أخرى مفتوحة، ولاسيما البنتاجون. وعلى رغم المأساة الإنسانية في سوريا ما زالت أغلب الظروف والعوامل لا تسمح بتدخل سهل وسريع ينهي الكارثة، فالشرعية القانونية غائبة بسبب معارضة روسيا والصين وتعطيلهما لأي قرار يمكن أن يصدر عن مجلس الأمن الدولي، فيما ثوار سوريا أنفسهم يعيشون حالة من الانقسام والتشظي السياسي والعسكري، هذا ناهيك عن مخاوف مشروعة لدى بعض الأوساط من ارتباط بعض الثوار بـ«القاعدة» وغيرها من التنظيمات المتطرفة. زد على ذلك أن ما سيلي مرحلة الأسد غير معروف، وهو ما يفسر إلى حد كبير استفادته من تأييد ملموس من الشيعة وباقي الأقليات، بما فيها العلويون، الذين يخشون عواقب حكم يسيطر عليه السنة. ثم هناك انخراط العناصر الإيرانية ومعهم حلفاؤهم من «حزب الله»، في الحرب الدائرة، إلى جانب التواجد الروسي في القاعدة البحرية بطرطوس. ولكن على رغم كل هذه الصعوبات والعقبات لا يمكن الاستسلام للسلبية وعدم التحرك. فالعنف تصاعد على نحو كبير ليتجاوز عدد القتلى 90 ألفاً، الأمر الذي يفتح الصراع على أبعاده الطائفية بين السنة والشيعة مهدداً عموم المنطقة. وقد رأينا كيف تحول النزاع إلى حرب بالوكالة بين حلفاء أميركا من الدول العربية وبين إيران وروسيا للوصول إلى البحر المتوسط. على رغم تفكير بعض الأوساط في واشنطن بفرض منطقة لحظر الطيران فوق الأراضي السورية، إلا أنه في الحقيقة يبقى خياراً صعباً لخوف الإدارة الأميركية من صعوبة سحب الآليات العسكرية في حال اندحر الثوار واكتسحت القوى الأخرى، بالإضافة إلى مخاطر مرتبطة بارتفاع أسعار النفط واتساع رقعة الحرب. وهي مخاوف لا تقتصر على أميركا، بل أيضاً على باقي المتدخلين وربما تدفع في اتجاه التفاوض. ولذا لو استطاع أوباما إقناع إيران بأنه جاد وعازم على الوفاء بتقديم المساعدات العسكرية، بل وإرسال قوات إضافية، ستبدأ كل من إيران وروسيا بدراسة المخاطر المتمثلة في خسارة الأسد وربما احتمال تعرضه للقتل. كما أن ارتفاع أسعار النفط سيكلف الصين، التي عرقلت مبادرات تنتقد النظام السوري، غالياً، فخلال حرب كوسوفو في عام 1999 استخدم الغرب القوة كوسيلة للضغط الدبلوماسي، حيث انطلقت الحملة الجوية على صربيا بعدما فشلت المباحثات الدبلوماسية في وقف عملية التطهير العرقي لتستمر حملة القصف الجوي 72 يوماً في حين كانت خطط الغزو البري جارية على قدم وساق، وحينها قرر سلوبودان ميلوسوفيتش التنازل والاستسلام. ومع الاختلاف الموجود بين الشرق الأوسط والبلقان، لاسيما في ظل الثقة التي تشعر بها روسيا والتعب الذي أصاب أميركا بعد عقد من الحروب، إلا أن هناك أيضاً نقاط تشابه، فالكوسوفيون أيضاً كانوا منقسمين على أنفسهم، بل قيل إن بعضهم من الإرهابيين. كما أن روسيا كانت تساند صربيا، بل هددت بإرسال أسطولها البحري في البحر الأسود للتدخل. وما أن يدرك الجميع سواء الأسد، أو روسيا، أو إيران، أن أوباما جاد في استخدام القوة حتى تبدأ المفاوضات الفعلية، حيث ستضغط روسيا على الأسد للشروع في عملية سلام حقيقية، فيما يمكن لإيران أن تحافظ على ماء وجهها والإبقاء على «حزب الله» في لبنان دون أن يتلقى ضربات موجعة. وكل ذلك سيجري في إطار دبلوماسي واضح المعالم يتمحور حول: توقيع اتفاقية لوقف النار، وتدخل الأمم المتحدة للإشراف على العملية السياسية، وخروج المقاتلين الأجانب، ونزع سلاح الثوار، ثم إشراف دولي على الجيش السوري، وخروج آمن للأسد مع عائلته ودائرته الضيقة، وأخيراً تشكيل حكومة انتقالية ووضع خطط لانبثاق سوريا جديدة. ويسلي كلارك جنرال متقاعد في الجيش الأميركي والقائد السابق لقوات حلف شمال الأطلسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»