نهج جديد لكاميرون... واختبار عسير لأردوغان الموقف الغربي المتخاذل من الأزمة السورية، والاحتجاجات ضد أردوغان في تركيا، وطريق كاميرون الثالث وأصداء الانتخابات الإيرانية... موضوعات نسلط عليها الضوء ضمن عرض أسبوعي للصحف البريطانية. تقاعس غربي تحت عنوان «سوريا تنزف حتى الموت والغرب يقف متفرجاً»، كتب «نيك كوهين» مقالاً في عدد «الاوبزرفر» الأحد الماضي يبدي خلاله اندهاشه من السؤال الذي يردده دائماً المتشككون في جدوى التدخل الإنساني في سوريا وهو: «إذا تدخلنا في الحرب السورية الجارية، فأين تقع النقطة التي سنتوقف عندها؟ يرى «كوهين» أن سؤالهم هذا ليس سوى مجرد حجة للتسويف. السؤال الحقيقي الذي يجب أن يطرح في الوقت الراهن كما يرى الكاتب ليس هو «أين ننتهي؟» وإنما «متى نبدأ»، لأن مبرر التدخل في الأزمة السورية واضح تمام الوضوح، وينص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يبيح التدخل «ضد الأعمال البربرية التي تهز ضمير العالم». ويستنكر الكاتب وقوف الغرب متفرجاً على الرغم من أن 80 ألف سوري حسب أرقام الأمم المتحدة، أو 94 ألفاً حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان لقوا حتفهم، كما تشرد قرابة مليون ونصف المليون آخرين اضطروا للهروب للمنفى في الخارج ليتكدسوا في النهاية في مخيمات بائسة، حتى تستطيع توفير الطعام لأبنائها الجائعين. ويفند الكاتب رد فعل اليمين واليسار في الغرب، المعارض للاقتراح المقدم من بريطانيا وفرنسا بملء الفراغ من خلال تسليح مقاتلي المعارضة السورية، بحجة أن السلاح يمكن أن يصل للأيدي الخطأ، ويكرر المأساة التي حدثت في العراق. يقول الكاتب إنه على الرغم من موافقته الجزئية مع من يقولون إنه من الصعب الحديث في الوقت الراهن عن مصالح «الناتو»، أو مصالح أوروبا بعد تجربة العراق، فإنه يؤكد أن الحقائق الاستراتيجية التي دفعت لذلك التدخل لم تتغير بالنسبة للأزمة السورية. فحتى إذا تمكن الغرب من قمع النزعات الإنسانية للتدخل، فلن يكون في مصلحته- من المنظور الاستراتيجي البحت -أن يستمر نظام الأسد الذي أصبح أكثر ارتباطاً بإيران من ذي قبل، والذي سيقوم في حالة بقائه بنقل نفوذها حتى سواحل البحر المتوسط. وينتقد الكاتب الموقف البريطاني تجاه المفاوضات ويقول إنه بالرغم من أن روسيا قد فعلت كل ما في وسعها لتعطيل إطلاق مباحثات السلام بين نظام الأسد والمعارضة، فإن الدبلوماسيين البريطانيين تبنوا موقفاً ليناً تجاهها حيث قالوا لوزير الخارجية الروسي إن تلك المحادثات يمكن أن تعقد في موسكو، ويطلق عليها «محادثات موسكو للسلام» أو «محادثات السلام الروسية»، أو أي مسمى من هذا القبيل لإقناعه بمجرد الموافقة على إقامة تلك المحادثات. ولكن هذا الموقف اللين كما يقول لم يزد الروس إلا تعنتاً، لأن بوتين- ببساطة- يريد منح الأسد أكثر وقت ممكن. ويتوقع الكاتب بناء على كل ذلك إنه لن يتغير شيء على الجبهة السورية إلا إذا ما تغيرت شروط اللعبة أولا. ويقول في نهاية مقاله وفي معرض التذكير بما ينطوي عليه خيار عدم التدخل من خطورة، إن هناك مستقبلاً بديلاً، يبدو احتمال وقوعه ضعيفاً، وهو أن يتمكن مقاتلو المعارضة من تحقيق الانتصار على قوات الأسد من دون مساعدة في صورة تدخل مباشر أو منطقة حظر طيران من الغرب. وهذا الاحتمال لو تبلور سيكون هناك المزيد من «الجهاديين» والمزيد من الطائفيين، والمزيد من الأعمال الوحشية المناوئة للغرب- الذي تخلى عنهم- والتي سيقوم بها هؤلاء عندما يدخلون دمشق. أردوغان على المحك «لقد حان أوان العقل»، كان هذا هو عنوان افتتاحية «ديلي تلجراف» الأحد الماضي التي رأت فيها أن الاستجابة الباطشة التي قامت بها قوات الأمن التركية لاحتجاجات ميدان «تقسيم» الشهير في قلب اسطنبول، كانت مقدمة لتفاعلات تهدد بتقويض الجهود الكبيرة التي بذلها أردوغان في المجال التنموي والاقتصادي. وترى الصحيفة أن إنقاذ تلك الإنجازات يتطلب من أردوغان إعمال العقل بعد أن تصرف في مواجهة تلك الأزمة بطريقة تؤدي لتصعيدها بدلاً من نزع فتيلها، حيث أعلن إصراره على المضي قدماً في تنفيذ مشروع المركز التجاري في ميدان «تقسيم» على الرغم من الاحتجاجات، ولم يكتف بذلك بل وصف المحتجين بكافة الصفات السيئة مثل «فوضويين» و«إرهابيين» وأخيراً بأنهم مجموعة من «الرعاع». تلك الأوصاف والعنف الأمني في مواجهة الاحتجاجات، تضفي صدقية على المخاوف التي كان يعبر عنها الكثير من خصوم أردوغان، وهو أنه في قرارة نفسه رجل لا يؤمن بالديمقراطية، بل يتخذ منها أداة لتحقيق غاية معينة وهي أسلمة تركيا وتحويلها إلى دولة قائمة على حزب واحد، هو حزب «العدالة والتنمية» ما سيؤدي حتماً لتآكل معالم العلمانية التي وضع أسسها أتاتورك، وتقديم ذخيرة كافية لهؤلاء الموجودين في الاتحاد الأوروبي، الذين يرون أنه يجب إبعاد تركيا عن الاتحاد الأوروبي بقدر المستطاع. واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بحث أردوغان للتنبه لكل ذلك، وإعمال العقل بدلاً من التمادي في العناد، والإفراط في الاستبداد بالرأي. الرسالة المنتظرة «طريق كاميرون الثالث: الجهد سيكافأ»... هكذا عنونت «ديلي تلجراف» افتتاحيتها يوم الاثنين الماضي، التي ذكرت فيها أن رئيس الوزراء البريطاني، كان كثيراً ما يُنتقد بأنه رجل يفتقر للإيديولوجية، ويعجز عن إقناع الأمة البريطانية بما يعتقده على وجه التحديد. ولكن كاميرون بعد الخطاب الرئيسي الذي ألقاه قبل قمة الدول الثماني العظمى- الذي استقى معظم فقراته من خطابه في مؤتمر الحزب الآخر- نجح في تعريف نفسه كرجل يعمل ضدا للأيديولوجية وليس وفقاً لها، حيث تحدث بأسلوب عملي عن الكيفية التي استجابت بها بريطانيا للتغيرات المتسارعة للعالم التنافسي الذي خلقته العولمة، والذي يزداد شراسة باستمرار، فقال إنها استجابت من خلال طريقين: الطريق الأول هو طريق «نايجل فاراج»، رئيس حزب «الاستقلال»، وهو رفض التغيير، والطريق الثاني هو طريق «بلير» القائم على احتواء التغيير. يرى «كاميرون» أنه وإنْ كان كل من الطريقين جذاباً، فإن أياً منهما ليس كافياً في حد ذاته: فالطريق الأول، ينكر واقع المنافسة العولمية، والثاني، يمنح القوى الاقتصادية مثل الاتحاد الأوروبي- لا الساسة- حرية التحكم في حياة الناس وتسيرها على النحو التي تراه. الحل السليم في نظر كاميرون يكمن في الدمج بينهما في طريق ثالث براجماتي واقعي يعمل على تعظيم مكاسب العولمة من ناحية، وتقليص أخطارها لأقصى درجة من ناحية ثانية، مع الإبقاء على عضوية بريطانيا في المؤسسات الدولية بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، واستخدام تلك المؤسسات - بما تتيحه من فرص لكسب الأصدقاء وشركاء الأعمال- في تحقيق المصالح البريطانية. رؤية رئيس الوزراء ليست فلسفة جديدة، يمكن أن يطلق عليها «الكاميرونية الجديدة» وإنما هي رؤية تؤمن بقيمة الجهد، والإصرار، الذي لا بد وأن يؤتي ثماره، كما تؤمن بأن بريطانيا لاعب دولي مهم يجب أن يستخدم نفوذه من أجل تعزيز القيم والمبادئ التي تجعل الجميع في خير حال- وهي تماماً الرسالة التي كانت بريطانيا تريد سماعها من كاميرون- كما ترى الصحيفة. لمن حق الاختيار؟ كتب «روبرت فيسك» مقالاً في عدد «الإندبندنت» الأحد الماضي اختار له عنوان «خليفة أحمدي نجاد يفترض أن يتم اختياره من قبل الشعب وليس مجلس صيانة الدستور»، يقول فيه إن الوصف الذي يمكن أن يطلق على مرشحي انتخابات الرئاسة الإيرانية هو أنهم «مجموعة من الرجال المنتقين بواسطة المرشد»، وأن مجلس صيانة الدستور المنوط به الموافقة على المرشحين للانتخابات، قد اختار هؤلاء الرجال خصيصاً حسب رغبة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي من بين المئات من الذين كانوا قد رشحوا أنفسهم للانتخابات في الأصل. وأن الانتخابات الإيرانية على الرغم من كافة ادعاءات النظام الحاكم ليست انتخابات حرة، وإنما «مباراة بين مجموعة من المرشحين المفضلين» بحيث يكون من يتم اختياره منهم في نهاية المطاف- أياً كان- شخصاً مقبولاً لدى المرشد، في حين أن من كان يجب أن يختارهم الشعب لا المرشد، ولا مجلس صيانة الدستور. إعداد: سعيد كامل