ذات يوم كان ثمة رجل يحظى بإعجاب في معظم بلدان الشرق الأوسط. إنه حسن نصرالله، أمين عام «حزب الله» اللبناني، والذي قال أنصاره ذات فترة إنه الرجل الأكثر شعبية في المنطقة. وقد حظي «حزب الله» الشيعي تحت قيادته بقدر ملموس من الإعجاب في لحظات معينة، حيث كان يُنظر إليه البعض بمزيج من الاحترام والخوف والرهبة في بعض الأوقات. لكن كل ذلك أتى إلى لحظة نهايته الآن، إذ انكشف أنه لم يكن أكثر من كذبة كبرى. وكان مصدر الإعجاب الذي حظي به «حزب الله» مستمداً بصفة أساسية مما كان يبديه من استعداد لمواجهة إسرائيل. ولطالما أعلن هذا الحزب عن أنه تأسس لهدف واحد هو «المقاومة» ضد إسرائيل ومحاربتها سعياً لحماية لبنان من شرور الصهيونية البغيضة. وكان للأداء العسكري اللافت لمقاتلي الحزب أن يبني شهرته الواسعة، في وقت كان يوظف فيه نشاطاته الاجتماعية والسياسية داخل لبنان للسيطرة على مقدرات البلد. وقد استغل «حزب الله» مزاعمه حول الدفاع عن لبنان ضد إسرائيل حتى يسوّغ لنفسه الاحتفاظ بميليشياته العسكرية التي أصبحت أقوى عدداً وعدةً من الجيش اللبناني ذاته، وذلك من أجل ترهيب المواطنين غير الشيعة، خاصة المسيحيين والمسلمين السنّة الذين أصبحوا يلاحظون كيف أن الحزب بدأ يكتسب عوامل التفوق ويمارس تفوقه بشكل خشن داخل الكيان الهشّ للدولة اللبنانية. وقد بدأت ادعاءات «حزب الله» من أن همّه الوحيد هو الدفاع عن لبنان وأن عدوه الحقيقي هو إسرائيل... بدأت ادعاءات من ذلك النوع تتهاوى الآن وتتلاشى. وفي خطاب له ألقاه يوم الخامس والعشرين من مايو الماضي، اعترف «نصرالله» أخيراً بما كان يعدّ سراً مفضوحاً عندما قال إن حزبه يقاتل في سوريا لحماية الحكم الديكتاتوري القمعي للأسد. وقبل أن ينطق بهذا الاعتراف الصريح، كان الإعلان عن أعداد متزايدة من قتلى «حزب الله» في سوريا يتوالى، إلا أن الحزب كان ينفي باستمرار مشاركة مقاتليه في المعارك الدائرة هناك. لكن حجم الخسائر التي يتكبدها الحزب في سوريا بلغ الحد الذي جعل إخفاءها أمراً مستحيلاً. والآن يطلع علينا «نصرالله» بقصة أخرى تمثل بكل بساطة الكذبة الحقيقية. فقد قال إن مشاركة «حزب الله» في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا تمثل جزءاً من الحرب ضد إسرائيل. وإلى ذلك فقد طلع زعيم «حزب الله» بتصور منحرف حول الصراع الدائر في سوريا، وذلك لكي يبرر مشاركته فيه ودعمه لطاغية دمشق والذي أصبح اسمه مرادفاً للوحشية والقسوة في منطقة الشرق الأوسط كلها باستثناء إيران وحيث لا يزال النظام هناك يقدم له الدعم بكل طاقاته بما في ذلك دعم حليفهما المشترك «حزب الله». وعندما يتكلم «نصرالله»، فإن الحقيقة غالباً ما تتعرض للتحريف والتزييف. فلقد أصدر تحذيراً قال فيه: إذا سقطت سوريا «فإن المقاومة سوف تُطوّق، وسوف تدخل إسرائيل إلى لبنان». وهذا يعني أننا «سنخسر فلسطين، وأن مستقبلاً قاتماً سوف ينتظر شعوب المنطقة». وبالنسبة لكثير من الناس، فإن هذا التوصيف يجانب الحقائق المتعلقة بالحرب الأهلية الدائرة في سوريا. و«نصر الله» معلم في تضليل الرأي العام، إلا أن الشرق الأوسط يتغير. ولم يعد في وسع الديماغوجيين ودعاة الثورة أن يضمنوا تأييد الرأي العام عندما يوبخون «إسرائيل» في كل جملة يقولونها ويشيدون باسم فلسطين عند ذكر قضيتها. إن السبب الحقيقي لمشاركة «حزب الله» في القتال الدائر في سوريا لا علاقة له بإسرائيل، والغالبية العظمى من العرب يدركون ذلك جيداً. ولو سقط الأسد فإن «حزب الله» سوف يعاني الكثير من المصاعب حتى يتمكن من البقاء. وعلى أضعف تقدير فإنه سوف يضعف بشكل كبير. وسوف تنقطع سلسلة تحالف إيران -الأسد -«حزب الله». و«نصرالله» لا يحارب من أجل لبنان ولا من أجل فلسطين، إنه يحارب من أجل نفسه ومن أجل حزبه ومن أجل الأسد وإيران. لقد بدأت سمعة «حزب الله» تحترق في لهب الحرب الدائرة في سوريا. وسجل مصرع عدد كبير من مقاتلي الحزب هناك، كما أن مشاركة الحزب في هذه الحرب تمثل كارثة للبنان كله، هذا البلد الذي عانى من حرب أهلية بغيضة دامت 15 عاماً، وبات سكانه غير متقبلين لفكرة البدء في حرب أخرى. وقد أسفر القتال الدائر داخل لبنان على خلفية الحرب المستعرة في سوريا عن 30 قتيلاً خلال الأسابيع القليلة الماضية. ولن يغفر اللبنانيون لـ«حزب الله» خطيئته فيما لو قذف ببلدهم في أتون حرب أهلية جديدة. ولقد تم إنشاء «حزب الله» داخل لبنان من طرف عملاء إيرانيين عمدوا إلى تشكيل ميليشيا عالية التدريب يقودها حزب يتمتع بدعم سياسي واجتماعي قوي. ولقد ذاع صيته وانتشر عندما انتصر في حربه ضد القوات الإسرائيلية التي كانت تحتل جنوب لبنان وأجبرها على الانسحاب من المنطقة بعد أن كانت تحتلها منذ 22 عاماً بهدف منع الهجمات ضد إسرائيل، الهجمات التي كانت تقوم بها المجموعات الفلسطينية المسلحة في جنوب لبنان. وعندما اضطر الإسرائيليون للانسحاب تحت وابل نيران «حزب الله»، عمد الحزب إلى الاستئثار بثمار ذلك النصر لوحده. لقد أصبح «نصرالله» ذات مرة الرجل الأكثر مدعاة للإعجاب لدى البعض في المنطقة. واليوم، ما زال الناس يتذكرون تلك الأيام التي يبدو لهم وكأنها باتت تعود إلى أزمنة غابرة. ------ فريدة جيتس محللة سياسية أميركية ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»