في الليلة التي سبقت سباق «كأس دبي العالمية للخيول» كان هناك احتفال ضخم ضم شخصيات شهيرة من مختلف أنحاء العالم قدمت خصيصاً لتشهد السباق. في تلك الليلة كان الحديث عن الإمارات ودبي والإنجازات التي تحققت هنا خلال هذا العمر الزمني القصير لهذه الدولة التي تقع في منطقة حيوية، جاذبة وساخنة في آن معاً، في مختلف الظروف، بأجوائها ومتغيراتها ومستجدات أحداثها باستمرار، كانت دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، الذي حرص على حضور تلك الليلة، دعوته للضيوف حول أهمية التعرف على «ثقافة شعب الإمارات وحضارته وإنجازاته في شتى الميادين، والتعرف على ثقافات أخرى سيلتقون معها خلال المهرجان». هذه قيمة ثقافية وسياحية مهمة، وهي إحدى النتائج التي حققها هذا السباق الرياضي، أي أن تقدم الإمارات وحضارتها كواقع ونتائج وإنجازات حاضرة لهؤلاء الضيوف وللعالم بشكل عام. وكنا نتمنى جميعاً، نحن الذين جلسنا بشغف وترقب ننتظر أن تدق الساعة تمام العاشرة مساءً بتوقيت الإمارات لينطلق السباق الأهم والأغلى، رغم حرص بعضنا ممن لا يفهم قصة الخيل، أو من جلس يتابع السباق الوحيد خلال العام، أملنا جميعاً كان الفوز بالسباق، لأن للمركز الأول طعماً وفخراً وبريقاً ونجومية لا تضاهى، والأهم لنا أن تهدي دبي كأس الذهب للفارس الذي صنع لها هذه المكانة وهذا المجد. تسعد هذه المدينة عندما ترى نشوة النصر وابتسامة الفوز على محيا الحاكم الذي أكمل مسيرة مراحل تطوير وبناء نهضة هذه المدينة التاريخية الطموحة. لقد حلم وخطط ونهض بها لتكون دبي المدينة التي أبهرت العالم، وأصبحت مضرب المثل في التطور والنجاح، وحلماً عند الكثيرين للعمل والعيش فيها. الصور التي تؤرخ مسيرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد كثيرة واللقطات التي يبتسم فيها ويبدو سعيداً كثيرة أيضاً، لكن أشهرها وأكثرها تداولا تلك التي تكون عند خط نهاية السباق، مثلما هي الفرس في أشعاره والرياضة الأقرب إلى قلبه. الخيل لها مكانة عزيزة عنده، لهذا ورّث هذا الحب لأبنائه والفريق المقرب من سموه. لا تخلو ثقافات الشعوب، في مختلف العصور من حكاية الخيل، إنها المجد والقصيدة والسلطة والصيت والفخر والبطولة والرومانسية في حالات والعشق الأجمل في حياة الكثير من الشخصيات التي حدثنا التاريخ عن تعلقها بالحصان، أو سيرتها معه. الخيل العربية كانت هي الأشهر في تاريخ الفروسية، وقد ضُرب المثل بقوتها في ساحات الوغى، وأيضاً في حلبات استعراض مقومات الجمال، لهذا كانت هي الهدية الأجمل بين الملوك كما ذكرت قصص التاريخ، تحمل دلالات التقدير ومكانة المهدي والمهدى إليه، وذهبت بعد ذلك شعوب العالم تبحث عنها، وانتشرت السلالة، واشتهرت في مختلف القارات والحضارات. وبالطبع فإن أزمنة المجد والقوة التي عاشتها الأمة العربية والإسلامية في مراحل ازدهارها كانت سبباً في شهرة الخيل العربية وانتشارها، لكن اهتمامات بعض الحكومات والشخصيات بعالم الفروسية واقتناء الخيول هي التي أعادت لهذه الفرس مجدها وبريقها في العصر الحالي، رغم متغيرات الحياة، ووجود بدائل أكثر تنافسية كتعدد الرياضات والاهتمامات ومجالات التسويق والإثارة. وقد حرصت الإمارات على التواجد في المحافل الدولية لدعم هذه الرياضة، فكانت «جائزة رئيس الدولة للخيول العربية الأصيلة» تطوف مختلف عواصم العالم، و«أوسكار الشيخة فاطمة بنت مبارك»، و«مهرجان منصور بن زايد للخيول العربية»... جميعها مبادرات تدعم وتشجع المميز في عالم الخيل العربية، وكذلك عندنا اليوم إسطبلات دولية مثل «جودلفين» وأسماء لها شهرة عالمية في التدريب والفروسية مثل: سعيد بن سرور، وأحمد الكتبي. سباقات الخيل بفضل هذا الاهتمام والدعم، أصبحت اليوم واحدة من أهم الرياضات، وقد أصبحت تقوم عليها صناعات عديدة من أشهرها سياحة النخبة، فهي تستقطب شريحة كبيرة ومميزة من السياح، كما أنها أداة رئيسية في برامج تسويق المدن عالمياً. عندما نتطلع إلى «كأس دبي العالمية للخيول»، والذي احتفلنا هذا العام بدورته الثامنة عشرة، نرى أن هذا العمر الذي يفصلنا عن الدورة الأولى مرّ قصيراً وسريعاً، وأننا لا نزال نتذكر تلك البدايات ومراحل تطور ذلك المشروع، سواء المضمار أو الخيول المشاركة وحملات الترويج والرعاية أو حتى وجوه البشر المهتمة بهذا العالم. وعندما نقيس النتائج التسويقية والشهرة التي حققها هذا السباق للإمارات، وكيف جعل دبي مدينة مبهرة حتى في صناعات الخيل، وكيف ساهم هذا السباق في دعم وتطوير رياضة الفروسية ومتطلباتها عموماً، نجد أن الذي تحقق كبير وإعجاز بمعنى الكلمة، فهذا السباق اليوم يقارن بسباقات في وزن «كنتاكي ديربي» في الولايات المتحدة أو «اسكوت» بإنجلترا والتي تعود بداياتها إلى القرن الثامن عشر. هذه الدورة التي وصفتها سمو الأميرة هيا بنت الحسين بأنها «كرنفال ثقافي رياضي دولي» حضرها أكثر من ثمانين ألف متفرج ونقلتها أكثر من خمسين قناة وتابعها مليارا مشاهد، جميع هؤلاء شاهد الزي الإماراتي وسمعوا اسم دبي يتكرر مئات المرات، انتبهوا لجمال معالمها وفخامة وروعة الميدان، وبالتأكيد أنهم لاحظوا هذه الألوف من المشجعين، تقاسيم الملامح والجنسيات المختلفة التي اجتمعت ونعمة الأمن التي جعلتهم يحضرون ويتحركون ويسجلون تفاصيل لحظة تاريخية ستظل في ذاكرتهم حول هذا السباق، ولهذه المدينة الغنية التي تشعرك بالحياة وعبقرية الإنسان ونعمة المال المسخر لتعمير المكان ولخدمة وبناء المجتمع.