إليكم رأيي بشأن أدنى نقطة وصل إليها سجال «الهاوية المالية». قبل حلول عيد الميلاد مباشرة، التقى أوباما مع جون بوهنر رئيس مجلس النواب، في المكتب البيضاوي، وقال له- وفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال»- إنهما ما لم يتوصلا إلى اتفاق، فإنه سوف يستخدم الخطاب الذي سيلقيه بمناسبة تنصيبه رئيساً لولاية ثانية، وخطاب حالة الاتحاد، كي يخبر الأمة الأميركية بأن «الخطأ يقع على عاتق الجمهوريين». إنه لأمر سيىء إلى حد كبير، أن يهدد رئيس الولايات المتحدة باستخدام خطاب تنصيبه سلاحاً في سجال شرس يدور حول الميزانية؛ لأن الشيء المعتاد هو أن يستخدم الرئيس مثل هذا الخطاب في إعادة ضبط مسار السياسة الأميركية، مع إجبار الحزبين الكبيرين على الانخراط «مؤقتاً على الأقل» في خطاب وطقوس العلاج والوحدة. إن تهديد الرئيس باستخدام خطاب تنصيبه سلاحاً في مواجهة خصومه، يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن انتخابات عام 2012 الرئاسية لم تمثل- كما كان مأمولاً- فترة توقف قصيرة في انحدارنا الحزبي السريع. وفي مفاوضات «الهاوية المالية»، كان لدى أوباما هدف فائق الأهمية، وهو أن يجعل الجمهوريين يصوتون على زيادة معدلات الضرائب المفروضة على الأغنياء. فمن المعروف أن رفض الجمهوريين لرفع الضرائب على الأغنياء ظل على مدار السنوات العشرين الماضية بمثابة الموضوع الوحيد الذي يربط المجموعات المتشرذمة التابعة للحزب الجمهوري. ولو كان أوباما يرى أن وظيفته كرئيس للبلاد تتمثل في إقناع تحالف عريض (جمهوري وديمقراطي) بالعمل من أجل حل مشكلة الديون القائمة منذ وقت طويل، لكان قد حاول إقناع الديمقراطيين بالتصدي لبعض من قضاياهم الجوهرية، كجزء من الصفقة الشاملة للحل؛ تماماً مثلما اضطر الجمهوريون أن يفعلوا. ولكن أوباما لم ينظر إلى وظيفته من هذا المنظور، وإنما أراد للجمهوريين أن يتجرعوا -وحدهم- كأس المهانة حتى الثمالة! وإذا ما أخذنا في اعتبارنا الوضع الضعيف الذي أصبح عليه الجمهوريون بعد ذلك؛ فإن الكثيرين منا قد يتوقعون أن الرئيس قد يصبح عرضة للإغراء من قبل موضوع سياسي آخر جذاب، وهو تدمير أعضاء الكونجرس الجمهوريين . فهو يعرف بالطبع أن الجمهوريين مضطرون بحكم أيديولوجيتهم إلى تبنى مواقف بصدد الإنفاق يستطيع هو أن يهاجمها بسهولة. وهو الآن في وضع جيد يتيح له إذلال الجمهوريين مرة ثانية، من خلال إظهار انقساماتهم وكشف آرائهم السياسية التي لا تحظى بقبول أو شعبية. بل أن ذلك قد يوفر له أيضاً الفرصة للحط من شأنهم وتمزيق أغلبيتهم في مجلس النواب، كي يرد على المهانة التي تعرض لها في انتخابات التجديد النصفي عام 2010. وإذا ما فعل أوباما ذلك، فإن حساباته السياسية الأولية سوف تكون مفهومة، لكن تأثير ما يفعله على الأجيال المقبلة -من الساسة على وجه الخصوص- هو الذي سيكون غير مقبول بأي حال من الأحوال. مايكل جيرسون كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»