العيد على الأبواب، وشعب عربي يتعرض للقتل والتنكيل والتشريد والدمار. شعب عربي عريق عرف بعزة النفس والكرامة والكرم وإغاثة الملهوف، لكنه اليوم يعاني التشرد والقهر والعوز، شعب بأكمله يتعرض للانتهاكات الصارخة بالطائرات والدبابات والمدفعية والجيوش المدججة بأحدث السلاح الروسي والأسلحة المحرمة دولياً، والمجتمع الدولي يقف متفرجاً على ما يدور منذ تسعة عشر شهراً. لقد ألقت المأساة السورية بفكرة الأمم المتحدة وقدرتها على وقف الحروب وإنقاذ البشر العزل في بحار الوهم، كما أنهت أي قدرة للعرب على إغاثة شعب كامل من بطش نظام لا يرحم ولن يوقف القتل ظناً ووهماً منه بتحقيق المستحيل. لقد سقط نظام الأسد ولن يسيطر على سوريا بعد اليوم مهما قتل ومهما ألقى من قنابل عنقودية، وسيلجأ لمزيد من أسحلة الدمار الشامل بما فيها الكيماوية، وهي ليست غريبة على عقيدة البطش و"البعث"، فلقد استخدمها صدّام البعثي ضد شعبه بكردستان العراق عام 1989، وهو لن يتوانى عن استخدامها في وقت سيحدده لإدراكه أن المجتمع الدولي لن يوقفه عند حده، ولن يتضامن لتخليص الشعب السوري من ديكتاتورية دموية تجاوزت كافة المحرمات وهي تنازع وتحتضر لتلفظ أنفاسها الأخيرة. كما سقطت دعاوى إيران الوهمية وثورتها الدينية الشمولية التي ترفع شعار "المستضعفين"، فوقفت ولاتزال إلى جانب الجلاد مساندةً ومقاتلةً ومعينةً، ودفعت بوقوفها إلى جانب الأسد ثمناً أخلاقياً ودعائياً باهظاً، ناهيك عما تكبدته من خسائر اقتصادية نازفة بدعم نظام الأسد في وقت يتهاوى فيه الاقتصاد والريال الإيرانيين بسبب العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها. كما سقط شعار مقاومة "حزب الله" إلى الأبد، حيث تحول إلى أداة قتل دامية مع نظام الأسد، وتلاشت كل دعاوى نصرالله بمقاومة إسرائيل التي لم ترتكب بجرائمها ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني بعض ما ارتكبه نظام بشار بالنسبة والتناسب. ولن تنطلي ادعاءات ومبررات عسكرة "حزب الله" بلبنان بحجة مقاومة إسرائيل بعد اليوم ولسان حال الإنسان السوري يردد "يا محلى إسرائيل". ولقد عمق "حزب الله" بتورطه المباشر بقمع الشعب السوري الشرخ الطائفي بلبنان، وحفر حفرة لدفن مفهوم التعايش الطائفي بعد سقوط بشار الحتمي. ولقد أدت سياسات حكومة المالكي العراقية المنحازة لنظام بشار، والسائرة في ركب الموقف الإيراني، إلى تعقيد علاقة العراق المستقبلية مع سوريا، فالنظام ساقط لا محالة، والرهان على بقاء الأسد والتنصل من المساندة الإنسانية للشعب السوري، تشكل معاً شرخاً مستقبلياً عميقاً في علاقة العراق مع سوريا ما بعد الأسد. يبقى الموقف التركي المساند للثورة وللشعب السوري وإغاثة اللاجئين، استثماراً ذكياً في سوريا القادمة، فرغم أن الأتراك يخشون التورط المباشر في الثورة السورية، فإنهم ساندوها واستقبلوا اللاجئين وأعلنوا موقفهم المنحاز مبكراً للشعب، وهو موقف سيتم استثماره لصالح الأتراك مستقبلاً. كما يقوم الأردن -رغم إمكانياته المحدودة- بعمل جبار باستقبال اللاجئين وإغاثتهم، وهو موقف إنساني وعروبي ستكون له انعكاساته المستقبلية على العلاقات بين الأردن وسوريا المستقبل. لقد أصبح واضحاً أن الموقف المصري المناوئ لجرائم بشار ضد شعبه، يتعارض تعارضاً مباشراً مع الموقف الإيراني، ويتخندق مع الموقف الخليجي والتركي، وهو خندق يمكن أن تتشكل على أساسه سياسات المنطقة وعلاقاتها المستقبلية. المجتمع الدولي مشغول بهمومه وقضاياه، ولا عزاء لأطفال سوريا وهم على أبواب العيد، فلا مدارس ولا مشافي ولا ملاجئ تحميهم من قصف طيران بلادهم الحربي، ولا يصدق الإنسان السوري بخطة الإبراهيمي بوقف الاقتتال بالعيد، ففرحة العيد وبقاء بشار أمران لا يلتقيان أبداً.