يتساءل عديدون: هل كان على حكومة الإمارات أن تتعامل بكل هذا الحزم مع مجموعة من أبنائها تنتمي إلى تيار إسلامي، وهي التي اشتهرت بسياسة التسامح والانفتاح على الآخر مهما كان دينه ومذهبه؟ ألا يعد ذلك خنقاً لحرية التعبير وتضييقاً على أصحاب "الفكر" ، وتمنع من خلاله رياح "الربيع العربي" من المرور على أراضيها، كما يدّعي بعضهم؟ هل يمكن أن ينعكس ذلك سلباً على صورتها، ومكانتها الدولية؟ وهل سيكون معرقلا لمسيرة التنمية والازدهار التي تعيشها الدولة؟ وماذا بعد هذه المرحلة؟ وكيف ستتعامل مع هؤلاء مستقبلا؟ خلال المرحلة الماضية تعاملت الدولة مع ملفات أمنية صعبة، وراودتنا مثل هذه الاستفهامات حينها. لماذا كانت حازمة مع "القاعدة" مادام هذا الملف عالمي الهوية والأخطار، ولا يمثل تهديداً مباشراً لأمن الإمارات بحكم أننا بلد مسلم، وكانت هجمات وأفكار "القاعدة" آنذاك متجهة إلى محاربة أميركا و"أعداء الإسلام" في البلاد "الكافرة"؟ ماذا كان يهم لو أن شخصاً أو عشرة أشخاص من أبناء الإمارات ينتمون لها ويذهبون دون أن ندري عنهم ليقاتلوا مع التنظيم؟ إنهم لا يمثلون البلد وهذا تيار أممي يضم جنسيات شتى. ولماذا حرصت وخاطرت وحاولت استرجاع بعضهم من باكستان وأفغانستان وقيّدت حركة الموجودين منهم، وعملت بشتى الطرق أن تعيدهم إلى أسرهم، وتعيد لهم قيمة الحياة ومعنى الدين والإسلام الحقيقي وتغير من نظرتهم إلى الآخر؟ الوقائع أثبتت لنا صواب رؤيتها عندما شاهدنا فعل "القاعدة" بعد ذلك في بلاد العرب، وفعل من ينتمون لها من أبناء الخليج في دولهم وأهليهم. مرة أخرى يتساءلون، لماذا حزمت أمرها وقررت أن تطرد أسماء مشبوهة تنتمي لـ"حزب الله" من أراضيها، وتحمّلت تبعات الحملات الإعلامية والتشهيرية، والضغوط التي مورست عليها؟ أيضاً أحداث المنطقة أوضحت للجميع صحة موقفها والتوقيت المناسب له، فتحرك إيران وأحزابها ضد المنطقة وخلقها لهذا التوتر، والحروب التي اصطنعتها أو جعلت غيرها بالوكالة يقوم بها، وكذلك السموم التي سمعناها وقرأناها لأولئك الذين عاشوا على هذه الأرض وآوتهم زمناً، أثبتت لنا أننا كنا طيبين في نوايانا إلى درجة كبيرة! وقبل سنوات قريبة كنا نتساءل: لماذا حكومتنا تنظر إلى فكر جماعة "الإخوان المسلمين" بكل هذا الحذر والريبة؟ لماذا تمنع مجموعة من الدعاة، أمثال الشيخ القرضاوي وطارق السويدان ومحمد العوضي... من إلقاء محاضراتهم في الدولة و"تحرمنا" من علمهم و"دعواتهم" لهذا الوطن بالخير والأمن والبركة، وتسمح لغيرهم من العلماء بدخول البلاد متى شاءوا، بل تسعى إلى دعوة بعضهم، من مذاهب مختلفة، وحتى الذين لا يعرف انتماءاهم لأحزاب وتوجهات تجدهم هنا؟ التجارب أثبتت لنا أيضاً أن هؤلاء يبطنون أكثر من لغة الإلهام والدعوة بالحسنى والابتسامة التي يرسمونها في الإعلام. والحملة التي شنها هؤلاء الثلاثة تحديداً ضد الإمارات لا يمكن أن ينساها أهل هذا البلد، مواقفهم هذه صعبت على الفهم كذلك عند العديد من العقلاء الذين يعرفون الإمارات جيداً، وتساءل الكثير منهم في كتابات نشرت في وسائل إعلام مختلفة: عن مغزى التوقيت والحشد، ولماذا يشنون حملة ضد الإمارات ويغضون الطرف عن دول فيها ما فيها من ممارسات وأفعال وقصص... هذا لو كان معيارهم كما يدّعون "الدعوة إلى الله". إن منطق المكيالين، ولغة المصالح "الدنيوية"، والأجندات المستترة فضحت النوايا. لقد كشف الموقف من الإمارات أقنعة هؤلاء الخبراء والعلماء "الأفاضل"! قضية أعضاء التنظيم الذين أُلقيّ القبض عليهم لارتباطهم بـ"تنظيمات وأحزاب ومنظمات خارجية مشبوهة، ووجود مخططات تمس أمن الدولة"، اتهام هؤلاء وتخوينهم أو تبرئتهم هو بيد النيابة والقضاء. آمنا بنزاهة وعدالة السلطة القضائية، وأيضاً رحمة وحكمة حكومتنا في تعاملها مع أبنائها. لكن الذي بدا من ردة فعل بعض المنتسبين لهذا التيار يجعلنا نشعر بالصدمة جميعاً، فهل يمكن أن يكون تعامل هؤلاء مع الوطن ورموزه، ومع المجتمع بهذه الصورة، كيف يدّعون حب دولة الإمارات والخوف عليها، ويمارسون كل هذا التشويه في حقها؟ فماذا يعني أن يتولى بعضهم مهمة البحث عن قنوات "الصحافة الصفراء الإلكترونية" وتغذيتها كل ساعة بأخبار ملفقة تشوه البلد؟ ماذا يعني أن يعقد مؤتمراً خارجيا بدعم ورعاية ومشاركة هؤلاء للحديث عن حقوق العمال "المسلوبة" وظلم المجتمع للخدم، وعن الحرية المعدومة؟ ماذا يعني أن ينشئ أحدهم موقعا إعلامياً هدفه فقط إثارة الفتنة، وبث كل الأخبار الملفقة أو التي تسيء للإمارات؟ ماذا يعني أن يشتغل بعضهم مراسلا في السر يترصد أخبار الإمارات ويلونها بالغمز والكذب المبطن ويبثها في مواقع الإثارة، حتى وإن كان ذلك الخبر عن حملات مكافحة المتسولين في رمضان مثلا! ماذا يعني أن يعلن أحدهم من خلال مقاطع صوّر فيها نفسه على الإنترنيت تنظيم حزب وهمي في بلد لم يعرف الأحزاب يوماً؟ مشهد يذكرنا بغزوات وبيانات "القاعدة" والتنظيمات الإرهابية العالمية التي كانت تبثها على الشبكة؟ وماذا يعني أن يلفق بعضهم أفلاما وبرامج تشوه صورة أمن الإمارات، ويشبهها بدول عندها فرق للاغتيالات وسجونها مكتظة وتستخدم فيها أبشع وسائل التعذيب؟ أين البطولة في تسريب ونشر أسماء مجرمين وافدين يقبعون في السجن، قبض عليهم في أعمال تخريبية وجرائم تمس أمن الدولة؟ أين الوطنية في تكرار عبارات الذم والشتيمة وإهانة القيادة والرموز المجتمعية، وتشويه المكتسبات التي حققتها دولة الاتحاد وأشاد بها القاصي والداني؟ وما هذا الحقد الدفين الذي يحمله بعض هؤلاء، فيغرد أحدهم بمحاربة الدولة للكفاءات في التعليم وجامعة الإمارات، وهو يعلم جيدا أنه لم تعط فرصة لجماعة أو فئة كما أعطي فريق "الإخوان" سواء في وزارة التربية أو الجامعة أو العدل أو البلديات أو الجمعيات التعاونية؟ قبل سنوات قريبة كانت الإمارات تحسب حساباً كبيراً لمنظمات العفو وجماعات الضغط الدولية. كانت تحاول أن ترضيهم بشتى الطرق، من منطلق الوضوح والشفافية وأيضاً صدقيتها ومصالحها وصورتها، لكن التجارب أثبتت لها أن تلك المنظمات عندها موازين مختلة ولها أهواء وعندها أجندات ولها مستشارون مغرضون يعملون في الظلام. كذلك اكتشفت أن الإعلام الدولي له مفاتيح، وعنده مصالح، وأنه لا يمكن أن يكون محايداً تماماً أو نزيهاً في حالات عديدة. إنها اليوم تفكر بمستقبل الوطن وصالح شعبها بعيداً عن أية ضغوط أو أجندات خارجية تفرض عليها. فاستقرار الوطن وأمنه من ثوابت الدولة وواجباتها، وهو مسؤولية المواطن كذلك.