يقول المثل الصيني "إن بداية الحكمة هي أن تسمى الأشياء بأسمائها الصحيحة". والاسم الصحيح لما يجري في سوريا في الوقت الراهن -بل ومنذ ما يزيد على عام- هو أنه حرب أهلية شاملة، فسوريا اليوم هي مثل لبنان في السبعينيات والثمانينيات، ومثل الكونجو والبلقان في التسعينيات، ومثل العراق بين عامي 2005 و2007. فما يحدث فيها يختلف عما جرى في اليمن ومصر وتونس. ومن المهم قبول هذه الحقيقة البسيطة، لأن الحروب الأهلية- خصوصاً الإثنو، طائفية- مثل تلك التي تحتدم نيرانها الآن في سوريا، تعكس وتطلق في الوقت نفسه قوى جبارة تحد وتقيد مما يمكن عمله إزاءها. وهذه القوى من النوع الذي لا يمكن صرفه، أو تجاهله، وإنما يجب التعامل معه مباشرة إذا ما أردنا خلق أي فرصة لإنهاء الصراع. وإذن، فكيف يمكن إنهاء هذا النوع من الحروب؟ يتم ذلك بإحدى طريقتين: أن يكسب أحد الطرفين الحرب، وهو أمر غالباً ما يتم بطريقة وحشية، أو أن يقوم طرف خارجي بالتدخل بقوة كافية لإطفاء نيران الحرب وإيقاف القتال. وإلى أن تلزم واشنطن نفسها بمساعدة طرف، أو قيادة تدخل في سوريا، فإن أي شيء آخر قد لا يكون قادراً على جعل الأمور تختلف عما هي عليه الآن. وتاريخ الحروب الأهلية -والجهود التي تبذل من أجل إيقافها- يبين بجلاء التدابير التي يمكن أن تنجح في إيقاف تلك الحروب، وتلك التي لا تقدر على ذلك. ويأتي على رأس قائمة المبادرات التي قلما تنجح في إنهاء الحروب الأهلية بمفردها، تلك الخاصة بالتوصل إلى تسوية من خلال مفاوضات. ففرص نجاح مثل تلك التسوية في غيبة قوة تفرضها أو تضمنها، محدودة. ولعل هذا تحديداً هو السبب الذي جعل خطة عنان محكوماً عليها سلفاً بالفشل، وهو السبب الذي يدفعنا بعد أن أعلن "عنان" استقالته فعلاً، إلى التخلي عن تلك الخطة باعتبار أنها تصرف الانتباه عن المشكلة الحقيقية. وهذا أيضاً هو السبب الذي يجعل من اقتناع الولايات المتحدة بقدرة روسيا على أن تعمل رافعة لإقناع نظام الأسد بقبول حل على الطريقة اليمنية، يقوم من خلاله بالتخلي عن الحكم، نوعاً من سوء الفهم أوسوء الإدراك، لسبب بسيط، لأن الأسد مقتنع- شأنه في ذلك شأن رادوفان كارادزيتش، وصدام حسين، والقذافي من قبله- أن خصومه سيصفونه إن فعل ذلك. وحتى إذا ما تخلى الأسد عن منصبه طواعية، أو فر من سوريا، فإن مثل ذلك التخلي أو الفرار لن يكون له معنى، لأن النتيجة المحتمة في هذه الحالة هي أن تحل محله في الحكم شخصية تنتمي إلى الطائفة العلوية التي قد يعتقد بعضها هي وغيرها من الأقليات في سوريا أنها لا تقاتل من أجل الحفاظ على وضعها المتميز في المجتمع السوري، وإنما تقاتل من أجل وجودها. ويعود بنا ذلك إلى الافتراض الذي طرحناه في البداية، وهو أن حل الأزمة السورية لن يكون إلا من خلال اختيار الانحياز إلى الطرف (الرابح) أو الذي نعتقد أنه كذلك، أو قيادة تدخل متعدد الأطراف والدول. والفرص المتاحة الآن تدلنا على أنه من الأفضل لنا أن نبدأ بالخيار الأول، وإذا ما فشل هذا الخيار في تحقيق النتيجة المرجوة، فما علينا حينئذ سوى الانتقال إلى الخيار الثاني. كينيث بولاك زميل رئيسي بمركز سابان لسياسات الشرق الأوسط في معهد بروكنجز ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"