على الصعيد الدبلوماسي ركزت إدارة أوباما في مقاربتها للموضوع السوري على الانخراط مع مجلس الأمن الدولي والتعامل مع مجموعة أصدقاء سوريا التي ترعاها فرنسا وتضم 88 دولة، بالإضافة إلى منظمات دولية أخرى ومراقبين من ضمنهم الفاتيكان، ولكن المؤسسة الأكثر فاعلية في المسار الدبلوماسي والمتمثلة في مجلس الأمن تظل معطلة بسبب الفيتو الروسي والصيني. كما أن مجموعة أصدقاء سوريا بما تضمه من عدد كبير من الدول تبقى عاجزة عن التوافق على إطار جامع، والتفاهم حول تدابير عملية تغير الواقع على الأرض. أما على الصعيد العسكري فإن امتناع الإدارة الأميركية عن مد الثوار بالأسلحة والاقتصار فقط على تقديم مساعدات طبية إلى المعارضة السورية يؤدي فقط إلى إطالة عمر المواجهة، كما أن المعارضة وعلى رغم منعها نظام الأسد من تحقيق نصر سهل وسريع وصمودها أمام آلته العسكرية، تبقى أضعف، في الوقت الراهن عل الأقل، من أن تنهي الصراع لصالحها. وفيما عدا الخسائر البشرية الكبيرة والتكلفة الإنسانية الباهظة فإن استمرار الحرب الأهلية وامتدادها لفترة طويلة من شأنه ضرب مؤسسات الدولة وتقويضها، بالإضافة إلى احتمال سقوط أسلحة الدمار الشامل في أيدي المتطرفين من الحركات السلفية، أو عناصر "القاعدة" نفسها. أو قد تؤدي الحرب الطولية في النهاية إلى إحداث فراغ سياسي تملؤه الحركات المتشددة لتضمن بذلك استمرار الصراع الإثني والمذهبي حتى بعد وقت طويل من سقوط نظام الأسد. ولذا وحتى تضطلع الولايات المتحدة بدورها في المنطقة وتسهل عملية انتقال منظم للسلطة دون تدخل عسكري فإنه يتعين عليها القيام بخمسة أمور ضرورية. أولاً، يتعين على أميركا حشد تحالف الأطراف ذات الصلة ليضم مجموعة مختارة من البلدان ذات التوجه المشترك يمكنها التأثير في الأوضاع الجارية بسوريا، ومع أنه من المهم استمرار الولايات المتحدة في الانخراط مع الأمم المتحدة والعمل مع مجموعة أصدقاء سوريا وحلف شمال الأطلسي، إلا أن من الضروري التركيز على تركيا والسعودية والأردن وقطر وباقي دول الخليج العربي، بالإضافة إلى فرنسا وبريطانيا باعتبارها دول التحالف ذات الصلة. ثانياً لابد لأوباما من تعيين ممثل خاص للعمل مع هذا التحالف للمساعدة في تنظيم المعارضة السورية لتتحول إلى تنظيم يمثل جميع أطياف المجتمع السوري ويضمن انتقالاً سلساً للسلطة، ويحظى بتأييد القوى السورية التي ما زالت متخوفة من تغيير النظام، هذا بالإضافة إلى استيعاب عناصر من النظام نفسه، فالفوضى على الطريقة العراقية واردة جداً في سوريا، ولاسيما إذا شعرت الطائفة العلوية التي تحكم اليوم بالتهميش وقادت تمرداً طويلاً على غرار ما قام به السنة في العراق. ولا ننسى أن القوى الإقليمية فشلت في توحيد المعارضة ورصد قائد يحظى بتأييد واسع في صفوفها، فالمجلس الوطني السوري تطغى عليه المعارضة في الخارج وأعضاء "الإخوان المسلمين"، في حين يبقى الجيش السوري الحر أكثر ارتباطاً بالواقع الميداني على الأرض وإن كان من غير المؤكد درجة تماسكه وخضوعه لقيادة موحدة، فضلاً عن الطريقة التي سيحكم بها بعد انتهاء المعارك، هذا في الوقت الذي يظل فيه ولاء الأكراد للدولة السورية محل شك، فيما ولاء الجيش النظامي الذي يسيطر عليه العلويون موجه في عمومه لعائلة الأسد. ومع أن الهدف الذي يجب أن تسترشد به أميركا وباقي الدول الغربية هو ضرورة انبثاق الديمقراطية في سوريا، إلا أن واشنطن قد تجد نفسها أمام خيارات صعبة على المدى القصير مثل اندلاع حرب عرقية، أو طائفية، أو قيام ضباط من الجيش بانقلاب عسكري لا يصب بالضرورة في مصلحة المعارضة، أو إصلاح الدولة، ولذا من أجل تقليص خطر الحرب الأهلية يتعين على الإدارة الأميركية العمل مع العناصر المعتدلة في المعارضة لاستقطاب العلويين والمسيحيين والأكراد وباقي الأقليات التي من شأنها إضعاف قاعدة تأييد النظام. ومن جهتها يتعين أيضاً على العناصر المعتدلة حشد الأقليات حول مبادئ الديمقراطية والتعددية والحكم المحلي واحترام حقوق الإنسان. وبالتعاون مع المعارضة يمكن للولايات المتحدة التشجيع على انقلاب عسكري يكون بمثابة محطة نحو الديمقراطية الكاملة دون المس بمؤسسات الدولة. أما الأمر الثالث الذي يتعين على واشنطن المبادرة به فيتمثل في إنهاء حالة تقسيم المهام الجارية اليوم التي تعطي للقوى الإقليمية حق قيادة المعارضة، ذلك أن الولايات المتحدة في حاجة إلى مقعد على الطاولة، كما أن الانخراط الأميركي المباشر مع المعارضة يضمن على الأقل وصول السلاح إلى العناصر المعتدلة التي تؤمن بالتعددية وترجح الكفة بعيداً عن الجماعات الإسلامية المتشددة التي تحرض على الطائفية. ويكمن الأمر الرابع في التفاهم مع موسكو، فقد أدى الدعم القوي لكل من روسيا وإيران للنظام في دمشق إلى تنفير المجتمع السوري، وهو ما يهدد بضرب مصالح البلدين، ولكنهما لن يتخليا عن استراتيجيتهما الحالية إلا إذا أيقنا بأن نظام الأسد سيسقط لا محالة، وربما يكون أصعب إقناع إيران التي تعد الداعم الأساسي للنظام في دمشق بالنظر إلى ردود الفعل المحتملة ضد حلفائها وأبناء طائفتها في سوريا. ولذا قد تلجأ طهران إلى أسلوب مزدوج تدعم من خلاله الانتقال السياسي وفي الوقت نفسه تبقى على تأييدها لبقايا النظام. خامساً وأخيراً يتعين على واشنطن البقاء منفتحة على الأمم المتحدة ودورها في وضع خريطة طريق للانتقال السياسي ما أن تنضج الظروف لانبثاق نظام جديد على الأرض، وهنا يمكن الاستفادة من التجارب السابقة للأمم المتحدة سواء في أفغانستان، أو غيرها، لتسهيل عملية الانتقال السياسي التي من شأنها وضع حد لإراقة الدماء وإنهاء سلسلة الأزمات المحتملة من الإرهاب إلى انتشار أسلحة الدمار الشامل وتمهيد الطريق لظهور سوريا ديمقراطية ومستقرة. زلماي خليلزاد السفير الأميركي الأسبق في العراق ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"