ارتكز تاريخ العلاقات الأميركية- الباكستانية على تقلبات كبرى تراوحت بين الصداقة المزيفة وانعدام الثقة الواضح والفج، فعندما تحتاج الولايات المتحدة باكستان تغدق واشنطن الأموال على إسلام آباد، كما تزودها بالأسلحة مقرونة بعبارات الثناء والإطراء، لكن ما أن تخبو الحاجة الأميركية إلى باكستان حتى تتوقف العطايا وعادة ما يكون ذلك بطريقة صادمة وفجائية، وبدلًا من السخاء والإكراميات تواجه باكستان الخطب والمحاضرات التي تقابلها بردة فعل سلبية وموقف عدائي تجاه دروس الخارج. هذا الدفء المصطنع في العلاقة بين البلدين انطلق مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر عندما شعرت أميركا بالحاجة إلى باكستان لقربها من أفغانستان، بحيث تحولت إسلام آباد من عاصمة معزولة ومنبوذة على الصعيد العالمي باعتبارها المساهم الأول في نشر الأسلحة النووية إلى شريك في الحرب الكونية ضد الإرهاب، وفي الوقت الذي كان فيه المسؤولون الأميركيون يحتقرون الرئيس الباكستاني، برويز مشرف، قبل الحادي عشر من سبتمبر وينظرون إليه كجنرال باكستاني سيطر على الحكم عن طريق القوة، أعلن بوش نفسه بعد الهجمات على نيويورك بأن برويز قائد "يتمتع برؤية" وقادر على قيادة البلاد نحو ربوع الحرية والديمقراطية. لكن "زواج المصلحة" الذي يجمع البلدين وصل إلى مرحلة غير مسبوقة من التوتر، متسبباً في العديد من المشاكل، وبعبارة بسيطة يرجع عدم الارتياح في العلاقات بين البلدين، رغم كل النفاق الموجود بينهما، إلى عدم التقاء المصالح الباكستانية مع نظيرتها الأميركية، بل الأسوأ من ذلك عدم التقاء أسباب الخوف والفزع لدى الجانبين، فباكستان مثلًا لا تخشى من سيطرة الإسلاميين على العالم، ولا يهمها ذلك في شيء. أما أميركا فهي لا يخيفها أبداً صعود الهند كقوة عالمية من الطراز الأول وبسط نفوذها على المنطقة. وإذا كانت الولايات المتحدة قد تحملت هذا "الزواج غير السعيد" طيلة العقد الأخير، فذلك لأن باكستان وفرت طريق نقل الإمدادات التي تدعم قوات حلف شمال الأطلسي في حربها المستمرة بأفغانستان، لكن باكستان وبالإضافة إلى فرض رسوم باهظة على تلك الإمدادات تقوم كلما عنَّ لها ذلك بإغلاق الممر، وهو الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى تجاوز باكستان بعقد اتفاقات مع جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة في آسيا الوسطى والالتفاف على باكستان وصولاً لأفغانستان، لذا يبدو أن إدارة أوباما مستعدة لإعلان اتحادها المضطرب مع باكستان فاقداً للصلاحية، بحيث لم تعد إسلام آباد بذات الأهمية لواشنطن، كما أنها لم توضح كيف تمكن بن لادن من البقاء على أراضيها في دليل آخر على أن هذا الحليف الأميركي كان يلعب منذ البداية لعبة مزدوجة ويُبقي علاقاته مع منظمات إرهابية. وقد بدأت بوادر الطلاق تلوح في الأفق عندما صرح وزير الدفاع الأميركي، ليون بانتيا، خلال زيارة إلى الهند أن القادة الأميركيين "وصلوا إلى أقصى حدود الصبر" مع باكستان. بيد أن التداعي في العلاقات الأميركية الباكستانية تجاوز التعامل المزدوج الذي تعتمده إسلام آباد ليمتد إلى التغيير الجاري في السياسة الأميركية المتجلية في الشرق الأوسط الكبير وشرق آسيا، إذ وفقاً لهذه المراجعة الجارية في الخطط الاستراتيجية الأميركية أصبحت باكستان في أعين أميركا مجرد لقطة ثانوية في الصورة الاستراتيجية الشاملة. وفيما يتعلق بالشرق الأوسط الكبير، الذي كان مسرح الحرب الأميركية على الإرهاب طيلة السنوات الماضية، تخلت إدارة أوباما عن تطلعاتها السابقة بتحرير العالم الإسلامي ليقتصر الهدف اليوم على الانخراط في عمليات اغتيال محددة تنفذها طائرات من دون طيار لإفقاد الخصوم توازنهم، وفي هذا السياق تقزم باكستان إلى مجرد مكان غني بالأهداف. أما في شرق آسيا فقد روجت إدارة أوباما لما تسميه بالتحول الاستراتيجي باعتباره أساس السياسة الأمنية الأميركية، وإن كان هذا التحول ليس أكثر من كلمة مشفرة تحيل إلى "احتواء الصين"، هذه الحاجة التي تستشعرها أميركا للتصدي لصعود الصين يعلي من شأن الهند، إذ حسب الخبراء الأميركيين من أتباع كيسنجر من شأن تحالف الهند مع الولايات المتحدة أن يساعد على مراقبة القوة الصينية تماماً كما كان التحالف الأميركي مع الصين ضرورة لاحتواء النفوذ السوفييتي خلال الحرب الباردة، وهو ما يؤدي إلى تهميش دور باكستان التي تنظر إلى الهند كعدو قديم. لكن التغير الجاري في السياسية الأميركية والمترتب عليه تهميش باكستان يحمل في طياته بعض المخاطر، فباكستان هي من أخطر الدول على وجه الأرض لما تعانيه من فقر مدقع وحكومة غير فاعلة ومؤسسات يهمين عليها الجيش وأجهزة الاستخبارات، كما أنها بعيدة عن مراقبة المدنيين، أو الممارسات الديمقراطية، لتبقى الترسانة النووية الورقة الوحيدة في أيدي باكستان، واحتمال استخدام إسلام آباد هذا السلاح يجعلها على درجة كبيرة من الخطورة، بدرجة تحتم على المسؤولين الأميركيين التريث قليلاً قبل إدارة ظهرهم لحليفهم القديم. وحتى في الوقت الذي يخشى فيه المسؤولون الأميركيون من البرنامج النووي الإيراني وأبعاده العسكرية المحتملة، فهي تبقى في النهاية مخاوف مفترضة في حين تمتلك باكستان بالفعل ترسانة متطورة من قنابل نووية مستعدة للانطلاق في أي وقت. أندرو باسيفيتش أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة بوسطن الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"