يرحلون تاركين شجن الأحاديث في قلوبنا وأرواحنا، كلمات وليدة طاهرة، تمنينا بعد أن رحلوا لو عبّرنا لهم بما يجول في خواطرنا. لم نكن ندري ذات لقاء أننا مع الموعد الأخير والنظرة الأخيرة، وإلا لكنا أطلنا النظر طويلاً. يتساءل القارئ ما الخطب؟! فيقول الخبر: "بلغت حصيلة وفيات الحوادث المرورية في المنطقة الغربية بإمارة أبوظبي، خلال الربع الأول من العام الجاري،7وفيات مقارنة بـ 25 حالة وفاة، خلال الفترة الزمنية نفسها من العام الماضي ". طالعتنا بهذا الخبر صحفنا يوم 5 مايو الجاري، فتجددت أوجاع الرحيل وندوب الذكرى المؤلمة التي تجرعناها وذقناها في هذه المنطقة الغالية من بلادي، بل وكل شبر في بلادي الحبيبة الإمارات، يتجدد الوجع النازف حسرة، فتعود ملامحهم الغالية لتتصدر منصة ومساحات مآقينا وقلوبنا وهم الذين لم يغيبوا عنها بأرواحهم. نفرح بنجاحهم وإنجازاتهم ووصولهم للمراكز المتقدمة ونرسم المستقبل بملامحهم الباسمة، نحتضنهم بفرحة العيد ذخراً وأملاً لنا ولبلادهم، وفي لحظة غفلة قاتلة، يخطفهم نهر الدم المتدفق على شوارعنا عبر حوادث السير المؤلمة، فيرحلون وترحل معهم أرواح وأرواح، بقيت تتنفس ولكن بآهٍ وحسرة، وتتمنى لو لم تبق بعدهم لثوان. لن أغفر لقلمي يوماً إن لم يذكر "راشد" ويتعطر بذكراه الحميمة لقلبي، لن أغفر لكلماتي لو ما قالت ووثقت من هو " راشد"!؟، وكيف كان بيننا بكل بهاء الشاب الإماراتي البدوي المثقف الخلوق، ابن لعائلة حظيت باحترام وحب الجميع، وفرحة منطقته الفخورة به. كان راشد يحمل صفات الرجل الشهم بكل معانيه وشيمه الأصيلة، بابتسامته، بأمله، بطموحه، بحرصه على التواصل مع إخوته وأخواته أعضاء المجلس البلدي بكل حب وأخوة نادرة. راشد مبارك بن قران المنصوري،عضو المجلس البلدي للمنطقة الغربية 2006، عرفته من خلال ترشيحي معه لعضوية أول مجلس بلدي للغربية، هو ومجموعة من شباب المنطقة المتسلحين بتحصيلهم العلمي وسيرهم وأخلاقهم، وشرفت حين تم ترشيحي منهم لرئاسة لجنة خدمات المدن وضواحيها، وكان من حظي أن راشد كان عضواً في اللجنة ذاتها، لذلك كان الأقرب لنا جميعنا كأخ وزميل، وشخصياً لا أذكر أنني رأيته يوماً إلا مبتسماً بشوشاً في وجه كل من التقاه. وكان حكم القدر، في ذلك الصباح الحزين الذي وصلني فيه خبر وفاته إثر حادث بشع اختطفه الموت لحظتها من عيوننا وأرواحنا، لا أنسى صرخة الحزن التي جلجلت في صدر كل من عرفه وكثير منا لم يجد صوتاً يقوى على ترجمة شعوره وألمه، كانت ابتسامته أول ما تبادر للأذهان، لم نتخيل أن الفجر يوماً يمكن أن يموت أو أن العيد يمكن أن يغيب، إلى أن وصلنا خبر رحيل راشد. رحل وهو في ريعان شبابه ونجاحه وتألقه، رحل بكل أمنياته وأحلامه وطموحاته وحماسه الكبير لخدمة أهل منطقته، تاركاً الكثير من الذكريات الجميلة والأكثر من اللوعة التي لازالت تعتصر قلوبنا، ومنها ذكريات لحظات آخر اجتماع حضره معنا. رحل راشد.. ولم يرحل سؤال كبير يدور في الأذهان، سؤال كمشرط تنزف منه الأرواح قبل الأجساد، كيف السبيل لوقف شلال الدم الذي مازال يراق في شوارعنا؟! كيف السبيل لوقف نزف جروحنا بسبب حوادث السير؟! متى وكيف نستطيع الحد من هذا الكم الهائل من الحوادث؟ بل كيف نحفظ أبناء وطننا من هذه الكارثة..؟! أسماء كثيرة رحلت وقلوب كثيرة خطفتها آلة الموت السريع، رحلت أجسادهم ولم ترحل ذكراهم تلك التي توقظ صباحاتنا بابتسامتهم، وتهدهد أحلامنا ليلاً لتقول لنا إنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وذاك عزاؤنا.. سيف بن كنيش الهاملي وراشد بن قران المنصوري وغيرهما من قوافل الراحلين، ممن حصدت أرواحهم الطرقات.. نقول لهم: نحن بكم نتنفس، وأنتم في قلوبنا أحياء ترزقون. ورسالة تصدح بأعلى صوت : إلى كل قلب ينبض على هذه الأرض الطاهرة، لا تكونوا سبباً في حرمان وطنكم وحرماننا منكم وقتلنا أحياء برحيلكم، نحن بحاجتكم فلا تخذلونا نتيجة السرعة وعدم الانتباه.