قضيتنا المغروزة في خاصرة الوطن، الألم الممتد لسنين بدواخلنا، جزرنا الثلاث التي تحتلها إيران، الوجع المترامي في ذواتنا، وجعٌ لا يستطيع الزمن محوه من ذاكرتنا وحاضرنا ومستقبلنا، وحقٌ يأبى النسيان. جُبل الإماراتي على العقلانية والطيب والهدوء في كل تعاملاته، سواء على المستوى الشخصي أو العام، فهو لا يتقن سياسة الاستفزاز ولا يُجر إلى المهاترات اللفظية التي لا طائل منها، وفي نفس الوقت يرفض أن يمس طرف ثوبه من أي كائن كان. لغة (فتل العضلات) التي تنتهجها الجارة المستفزة، تنبئك عن حالة تخبط ولغة وهن كجذع يباس متهالك، سينهار مع أول هبة ريح، وذلك قدره، والسبب في ذلك سياستها التي لن تجلب لها إلا العداء والازدراء، ويبدو أنها لم تفهم دروس وقيم حسن الجوار حتى الآن. الجزر الثلاث تاريخ متجذر ليس على الخريطة الجغرافية، بل في شريان كل إماراتي وخليجي وعربي، نبضٌ يجب أن لا يغفل عنه كل من تجري في عروقه دماء العروبة. فقضيتنا هي من أمّهات القضايا التي تسري في الوجدان الجمعي، وأطفالنا اليوم يتساءلون عن ماهية قضيتنا التي تؤرقنا طوال هذه السنين وما هي أبعادها التاريخية والسياسية وتأثيرها على كافة الصعد، لذلك فعلى مناهجنا التعليمية دور كبير لتجيب على أسئلتهم الغضة، حتى يكبروا وقد ترسخت لديهم حقائق في حصص الجغرافيا أو التاريخ، وحتى التربية الوطنية، عن قضية الجزر. نعم لقد كبرنا ونحن نسهر الليالي لحفظ تاريخ أمصار كثيرة، ورسم خرائط طبيعية وسياسية واقتصادية لدول العالم، علمنا منها وما لم نعلم، ولم ندرِ عبر تلك الليالي من السهر أن لنا جرحاً نازفاً في خاصرة الوطن، ولنا أهل يئنون ويتألمون ولا نعي أنينهم، ليس جحوداً منا، بل تقصيراً - لا نجد له عذراً بلا شك - ممن قدم لنا تلك المناهج، التي حرمتنا شرف الوقوف ولو وجدانياً، مع قضيتنا الأولى في بلادنا، لذلك هي دعوة لإعادة قراءة مناهجنا الدراسية بما يتناسب والمرحلة الراهنة. الوطن أرض وعرض، ذلك الثرى الذي تعطر بقطرات عرق (زايد) وجلس على أرضه يوماً ورسم حلمه وخطط أحلامنا بطرف عصاه على رماله؟ أليس هو ذاته الوطن الذي يضم جسده الطاهر الذي أفناه في بناء هذا الصرح وتشييده حلماً حتى أصبح واقعاً معجزاً ليله كنهاره. زايد الذي أسس منهجه المتفرد والقائم على الحكمة والعقل، وتقديم خطاب مفعم بالرقي والأدب في الحوار، منه تعلمنا أن نسعى بكل وسائل الحلول السلمية، والحكمة في الخطاب السياسي وعدم اللجوء إلى التصعيد اللفظي، والبعد عن التراشق بالألفاظ غير المسؤولة. على نهج زايد، وسياسة خليفة، سنمضي، على ذات الطريق السامي، الذي يعلو على كل المستويات الدنيا في الحوار، وجلبات الاستفزاز، ولن تنجح كل أساليبهم لاستدراجنا للدخول لتلك البرك والمستنقعات الآسنة، سنبقى حاملين لراية السلام والحب والخير، ولن نتنازل عن شبر من أرضنا، ولن ننسى أو نغفل لحظة عن جزرنا الثلاث المحتلة. الشعب الإماراتي لم يقف موقف المتفرج، ورفض مقاعد الجمهور، لذلك تجده حريصاً على رسم المشهد بيديه وقلوب أبنائه، فالإمارت كل لا يتجزأ أبداً من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه، ونبضه واحد وقلبه واحد، ويحمل للفجر الواعد أمنيات باستعادة حقه.