في خطاب النصر الذي ألقاه المرشح الجمهوري "ميت رومني" يوم الثلاثاء الماضي بولاية "ويسكنسون" قال إن "واشنطن أصبحت حليفة للشركات وليست معارضة لها". والحقيقة أن هذا التصريح يحمل في طياته بعض الخطورة على حظوظ "رومني"، ولاسيما أن الأميركيين صاروا أدرى بمشاكل الرأسمالية الأميركية القائمة على محاباة الشركات الكبرى والانحياز إلى نوع من الصناعات على حساب الأنواع الأخرى. وبفضل انتقادات جماعة "حفل الشاي" وباقي التنظيمات الأميركية، لم يعد من الصعب كشف الانحياز الحكومي وتحالفه مع أصحاب الشركات، بل والتدخل لإنقاذها بعد الأزمة المالية الكبرى. ولذا يمكن التعامل مع تصريح "رومني" حول الشركات الكبرى على أنه غلطة لطخت حملته الانتخابية. أولاً، لأن الدفاع عن الشركات الكبرى، باعتباره جزءاً من حملة انتخابية توصل إلى السلطة، خطأ سياسي جسيم كما يقول "تيم كارني"، الكاتب والمحلل السياسي، الذي اعتبر أن خطاب "رومني" حول دعم الأعمال الكبرى "يفشل في مراعاة انشغالات فئات واسعة من المجتمع تمتد من اليسار وحتى أقصى اليمين، تلك الانشغالات التي تعتبر اللعبة المالية والاقتصادية في أميركا مزورة إلى حد بعيد ويتم دائماً توظيف السياسة لخدمة تلك المصالح الضخمة التي ينظر إليها في واشنطن على أنها أكبر من أن تنهار". وقد رأينا ذلك خلال الشهور الأولى للأزمة المالية عندما هبت واشنطن وإدارة أوباما لإنقاذ شركات السيارات المتعثرة والبنوك الكبيرة، ومن هذا المنطلق فليس مفيداً جداً لـ"رومني" في حملته الانتخابية الظهور وكأنه المنافس لأوباما في دعم الشركات وإثبات صداقته لها، فأوباما نفسه لم يقصر في دعم شركات "وول ستريت" واستخدم كل الحيل الممكنة حتى تستفيد قطاعات صناعية بعينها من إعفاءات ضريبية. وعندما شعر أوباما بأن شركات لا تستحق المساعدة تحصل على امتيازات لجأ إلى عبارة أصحاب المصالح الخاصة، كتورية عن كلمة الشركات الكبرى. ولا يعني ذلك أن الأميركيين مناوئون للأعمال وقطاع الشركات، فمنذ فترة بعيدة من التاريخ الأميركي والليبراليون، المطالبون عادة بدور أكبر للحكومة، يؤدون نوعاً محدداً من المبادرة الحرة والسياسة الصناعية. وكانت الفكرة التي سادت لدى الرؤساء الأميركيين بدءاً من روزفلت وويلسون مروراً بجيمي كارتر وبيل كلينتون، وانتهاء باليوم، هي أن الحكومة الفيدرالية ذكية بما يكفي لاختيار الصناعات الرابحة والتكنولوجيات المهمة للرهان عليها. والحال أن هناك اختلافاً كبيراً بين الدفاع عن الشركات الكبرى وصناعات بعينها وتمتيعها بامتيازات خاصة وبين الانحياز لفكرة السوق الحرة في تجردها، حيث يقتصر دور الحكومة على تهيئة الملعب وحماية قواعد اللعبة كي يحظى الجميع بفرص متساوية، ولكن عندما تأخذ الحكومة على عاتقها واجب الدفاع عن الشركات وحماية مصالحها، فإن بعض الانحيازات تبرز إلى السطح، فعلى سبيل المثال الصناعات الموجودة حاليّاً في السوق تحظى بامتياز كبير على تلك التي تستعد للانبثاق وما زالت مجرد فكرة تختمر في عقول أصحابها حتى لو أتت بأنواع جديدة من التكنولوجيا قد تساهم في تغيير حياتنا. كما أن هناك بالضرورة انحيازاً ظاهراً نحو الشركات الكبرى على حساب نظيراتها المتوسطة والصغرى، على رغم أن هذه الأخيرة هي المحدث الأكبر للوظائف في السوق الأميركية. بل أكثر من ذلك أن الشركات الكبرى تتحول إلى محرض رئيسي لبعض السياسات الحكومية التي تستفيد منها مثل ضمان الدولة للرعاية الصحية للعمال والموظفين مقابل الإنفاق على الحملات الانتخابية التي يستفيد منها السياسيون. وحتى نكون منصفين فقد حاول "رومني" جاهداً خلال حملته الانتخابية التفريق بين محاباة الصناعات الكبرى والانحياز إلى فكرة السوق الحرة، مميزاً بين المبادرة الحرة للجميع والرأسمالية القائمة على المحسوبية والتقرب من السلطة. ولكن المشكلة تبقى في الأخطاء والهفوات التي ترتكب بين الحين والآخر التي ربما يكون سببها مساعدوه الذين يشيرون عليه بما يجب أن يقول. ----------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"