من عادة الحركات الآيدولوجيةالسياسية أن تتخذ أقنعة زائفة سواء أكانت نفسية أم اجتماعية أو دينية أم إصلاحية خاصة عندما تصل إلى حافة الهاوية ويفتضح أمرها. وأضحى الاتكاء على الوسائل النفسية من صميم هذه الحركات الآيديولوجية لأن العناصر النفسية شديدة التأثير في الإنسان. ويتجسد هذا السلوك تحديداً في تنظيم "الإخوان المسلمين"، فكلما افتضح أمر هذه الحركة سارعت إلى إيجاد مبرر جديد لوجودها فمن زعم الإصلاح السياسي إلى اختلاق المظالم الاقتصادية واصطناع القضايا الواهمة، والتفنن في التمثيل الكاذب على خشبة المجتمع والرأي العام والإعلام. وعندما تجد هذه الجماعة نفسها على الهامش تبتكر أية وسيلة متاحة لها حتى تتسلق على أكتاف التعاطف الجماهيري، وإن لم تجد وسيلة تنتشلها من حضيضها فإنها تلجأ بشكل خفي إلى اللعب على وجدان الإنسان وعاطفته، خاصة وأن "الضحية" نموذج سرعان ما يؤثر في الناس ويستميل عواطفهم، من هنا جاء الدور المسرحي الجديد ذلك الذي يتمثل في ادعاء وتمثيل دور "الضحية". "الضحية" رمز إنساني نبيل لابد أن يظل بعيداً عن الاستغلال. ومن الغريب حقاً، أن يستخدم هؤلاء " نموذج الضحية " بدون أية مظالم حقيقية مقنعة، مشوهين بذلك قيم الإنسانية النبيلة. وكثيراً ما يستخدم الإخوان في سياقاتنا المحلية "عقدة الضحية" وسيلة للحصول على تعاطف الجمهور وللتنفيس عن مكبوتات آسنة رازحة في تقليد الجماعة العام وأحلامها السياسية التي تطاول عنان الأوهام. وقد اعتاد الإخوان كذلك على عروض إعلامية موسمية يتجدد سعارها من حين لآخر، بهدف التمرغ في أوحال التحريض ضد الوطن ومصالحه، وأيضاً لاجتذاب اهتمام بعض وسائل الإعلام المغرضة. وضمن هذا المسعى الاستعدائي، وتحريض وفتح شهية الإعلام الأجنبي الذي يبحث عن الإثارة ولا شيء غير الإثارة، افتعل الإخوان مرة أخرى ومرات، مناحة جديدة، بعد إنفاذ القانون في مجموعة منهم من أجل كف ضررهم ودرء خطرهم المتمثل في ولائهم لتنظيم خارجي محظور. وهذا كل ما هنالك، وهو معروف للعموم ومعلن. ولكن لأن في أجندة "الإخوان" ما فيها من خفايا وطوايا، اختاروا تضخيم موضوع قانوني محدود شديد الوضوح والبساطة، وتحويله إلى قضية رأي عام مبتكرين كل العناصر النفسية والعقد لتحقيق فرصة سانحة لاستثمارها في الثرثرة السياسية، بهدف لفت الانتباه الإعلامي إليهم الذي يبحث هو الآخر عن الإثارة، ربما لتعويم حطام مشروعهم الآيديولوجي الجانح، الذي تجاوزته الأحداث، وأكل الدهر عليه وشرب. ومشروع "الإخوان" مفضوح ومعروف، نتيجة استنادهم على ولاءات مزدوجة، يكون الوطن في هذه الازدواجية الخاسر الأكبر، لأنه قد يقع ضحية استغلال المرجعيات والأقطاب الأخرى، فـ"الإخوان" بذلك مستعدون لتقديم الوطن قرباناً من أجل الوصول إلى مآربهم السياسية ومصالحهم الآيديولوجية التي تتمثل في غاية واحدة ووحيدة، هي التزعم باسم الدين، وهو الثابت والأساس الوحيد في مشروع "الإخوان"، والبقية الباقية كلها تفاصيل وحيل إخراج مسرحي لهذا المشروع الإخواني. ومن أجل القفز على مقاعد السلطة يسخرون كل الوسائل غير المشروعة، عملاً بالمقولة الميكافيلية الشهيرة: "الغاية تبرر الوسيلة". فالمهم والغاية بالنسبة لهم هي "الوصول إلى السلطة" بغض النظر عن الخسائر التي سيتكبدها الوطن، والوسائل لديهم مفتوحة ولا نهائية، من التزوير والتلفيق إلى الكذب الصفيق. فالمطامع السياسية والسلطوية، تحت دعاوى دينية، هي أصل ومادة مشروع تنظيم "الإخوان" بكل مَن فيه، وما فيه من تخريف وتحريف. ولكن مشكلة هذا المشروع تكمن في تعارضه، بل تناقضه، مع المصلحة الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة، والإرادة الشعبية لمواطنيها، فلسان أبناء الإمارات يقول: امتطوا أية ذريعة أخرى.. إلا الدين والإسلام، فنحن مسلمون، والحمد لله، منذ أكثر من 1400 سنة. وسنظل مسلمين إن شاء الله. ولا وجه لاحتكار ديننا أو اتخاذه ذريعة ومطية لأوهام القفز على كراسي السلطة. نعم، إن "الإخوان المسلمين" جماعة سياسية، وليست أبداً جماعة دينية. فالدين الحنيف للمسلمين جميعاً والتحزب السري لـ"الإخوان" وحدهم. ولذا فإن أسوأ ما في تسيُّس هذا التنظيم الخفي السياسي والآيدولوجي هو محاولته التلفع والتقنع تحت دعاوى دينية، واستغلال التدين والتقوى والورع لدى عامة المسلمين لإنفاذ أجندات سياسية وحزبية مُبيتة، زئبقية الحدود والولاءات. والأسوأ من ذلك كله محاولة ذر الرماد في العيون، بالسعي لطمس معالم الحدود الفارقة بين التدين البريء، والتسيُّس الإخواني غير البريء، لأن البراءة نفسها بريئة طبعاً من جميع أجندات الجماعات السرية، وحيل خفافيش ظلام العمل التنظيمي الخفي. نحن في الإمارات حققنا، والحمد لله، أعلى معدلات التنمية في العالم العربي، وبلادنا منارة وعنوان للاستقرار والازدهار، في هذا الجزء من العالم. ومستويات المعيشة والدخل وتعدد الفرص وتكافؤها أمام المواطنين في بلادنا، تتحدث عن نفسها، ويتحدث عنها مستوى الرضا الشعبي والتآخي والتراحم والتلاحم بين القيادة والشعب. ولذلك فإن تجربتنا تعتبر، بإجماع المنصفين، تجربة فريدة عربيّاً. نعم قد تكون لدينا بعض التحديات الخاصة بنا، وهي تحديات محدودة للغاية على كل حال، ولابد من وجودها أصلاً، ذلك لأننا مجتمع إنساني حقيقي، ولسنا مجتمعاً طوباويّاً مثالياً. وعلاج ما قد يوجد في الواقع من تحديات اقتصادية، أو اجتماعية، يكون بالبحث عن حلول مناسبة، تتميز بالواقعية وتتسم بالعلمية الناجعة. ولأن الإرادة السياسية متوافرة، ومعلنة، فالحلول بذلك متوافرة وسهلة، ولذلك فإنه من الأحرى بمن يزعم الدعوة إلى الإصلاح، أن يدعو لحلها داخليّاً تحت سقف سيادة وإرادة الوطن والشعب، بدلاً من اللهاث اليائس خلف سراب الولاءات التي تتجاوز حدود الوطن، تحركها من خلف الستار مصالح وإرادات مغرضة تتناقض مع الوطنية. وفي الختام نقول للمتباكين في مناحة "الإخوان" التنكرية: هونوا عليكم، لا تلطموا الخدود وتشقوا الجيوب... الصيف ضيعتم اللبن... الصيف ضيعتم الوطن... تنتظرون مطراً من سماء شاحبة ملبدة بأراجيف ووعود من أشباح مشبوهة لن تتحقق خاصة وأن أبناء الوطن قد اكتشفوا أقنعتكم، ومهما حاولتم تغيير الأقنعة ولعب دور الضحية فإن أمركم أضحى مكشوفاً ومقيتاً.