الرئيس الفلسطيني عباس مقتنع بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية غير قادرة على إنجاز اتفاق سلام، ولذلك فهو يفرض شروطاً قبل الدخول في مفاوضات معها، وهي شروط يراها نتنياهو صعبة للغاية، وغير مسبوقة وتجعله غير راغب في دفع ثمن سياسي باهظ من أجل مفاوضة عباس. أما إدارة أوباما وأعضاء الرباعية الآخرون، فيريدون استئناف المباحثات، لذلك عقدوا الأسبوع الماضي اجتماعاً تمهيدياً مع المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين في عمّان. وقد نشهد مزيداً من هذه اللقاءات، وهو أمر جيد بحد ذاته. ففي النهاية لن يتحقق سلام من دون مفاوضات. لكن ينبغي أيضاً ألا تنتابنا أي أوهام بشأن احتمالات حدوث اختراق في المستقبل القريب لأن الفجوة النفسية بين الطرفين تجعل من الصعوبة بمكان إيجاد حل للخلافات، خصوصاً وأنها كانت السبب الذي أدى لتعطل مباحثات السلام خلال السنوات القليلة الماضية. لقد انخرطت على نحو مكثف في جهود صنع السلام بالمنطقة على مدار السنوات العشرين الماضية في عهد إدارات كل من بوش الأب وكلينتون وأوباما، وأدرك جيداً أن عباس ونتنياهو يحملان على كاهليهما التاريخ والأساطير الخاصة بشعبيهما، كما يواجهان قيوداً هائلة تحول دون حرية حركتهما في المباحثات. لكن تلك الصعوبات لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تكون باعثاً على اليأس والقبول بالجمود خصوصاً عندما يعمد هؤلاء الذين يرفضون السلام إلى استغلال ذلك الجمود لمعارضة فكرة حل الدولتين ذاتها. ومن الممكن التغلب على الجمود، ومن ذلك أن تقوم إسرائيل بتغيير الحقائق على الأرض، خصوصاً وأن الزعماء الفلسطينيين المؤمنين بخيار السلام مثل عباس وفياض يحتاجان إلى أن يظهرا لشعبهما أن النهج الذي اختاراه يؤتي ثماره. بعد عملية أوسلو تم تقسيم الضفة الغربية لثلاث مناطق: (أ)، و(ب)، و(ج)، وبينما كانت للفلسطينيين سيطرة مزعومة على المنطقة (أ) التي تمثل 18 بالمئة من مساحة الضفة، احتفظ الإسرائيليون بكافة المسؤوليات عن إدارة المنطقتين ( ب) و(ج). واستمر الأمر كذلك حتى عام 2002. ففي ذروة الانتفاضة الثانية، بدأ الجيش الإسرائيلي يعطي لنفسه حرية العمل في المنطقة (أ) لإيقاف الهجمات الفلسطينية. ورغم أن الانتفاضة انتهت عام 2005، وأن السلطة أثبتت كفاءتها في إيقاف الهجمات الانتحارية، فإن الجيش الإسرائيلي لا يزال يُغِير على المدن الفلسطينية الواقعة هناك، وهو أمر يذكّر الفلسطينيين كل لحظة بأن الإسرائيليين ما زالوا يسيطرون على مقاليد الأمور. وفي المنطقة (ب) التي تمثل 22 بالمئة من مساحة الضفة، تتولى الشرطة الفلسطينية مسؤولية المحافظة على الأمن والنظام، لكن ليس مسموحاً لها بالتعامل مع التهديدات الإرهابية. أما المنطقة (ج) التي تمثل 60 بالمئة من الضفة فغير مسموح للشرطة الفلسطينية بدخولها حيث يتولى الإسرائيليون المسؤوليات المدنية والأمنية ويحدون من حرية النشاط الاقتصادي للفلسطينيين. وفي رأيي أنه ليس هناك ما يدعو لفرض كل القيود الحالية على النشاط الاقتصادي للفلسطينيين، لأن توسيع هذا النشاط سوف يحقق المعجزات فيما يتعلق بتوفير الوظائف وتحسين أحوال الاقتصاد الفلسطيني. وهذه الخطوات يمكن اتخاذها من دون تغيير الوضع السياسي لتلك المنطقة، وبدون تعريض الأمن الإسرائيلي لأي خطر، خصوصاً إذا ما تم التنسيق مع الجيش الإسرائيلي. وكثيراً ما كرر نتنياهو القول إنه لا يود أن يحكم الفلسطينيين، وأن تحسين قاعدتهم الاقتصادية سوف يؤدي لتحسين احتمالات السلام. واتخاذ هذه الخطوات من جانب إسرائيل سوف يقنع الفلسطينيين بأن نتنياهو يعني ما يقول؛ كما سيرسل إليهم إشارة مؤداها أن الاستقلال ممكن وأن النهج الذي يتخذه عباس وفياض -وليس "حماس"- هو الذي يحقق الاستقلال. لا أقصد بذلك أنه يمكننا التخلي عن خيار المفاوضات وتركيزها على حل الدولتين. فالواجب هو أن يتم الدفع من أجل هذه المفاوضات. وإدارة أوباما الحالية على حق عندما تدفع من أجل تلك المفاوضات، كما أنها على صواب عندما تعمل على بناء المؤسسات وتقديم الدعم المادي لقطاعات الأمن والقضاء الفلسطينيين... هذه هي الخطوات التي تثبت فعالية نهج السلام، أي الاستقلال بالنسبة للفلسطينيين، وتجسير الفجوة النفسية بينهم وبين الإسرائيليين، مما سيعزز الإيمان بأن استئناف المفاوضات سيقود الجميع إلى الحل، لاسيما في ظل التغيرات التي تجتاح المنطقة. دينيس روس مستشار بمعهد واشنطن لسلام الشرق الأدنى ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"