هل تذكرون التصنيف الائتماني للولايات المتحدة(AAA)؟ ذلك المعيار الذي تآكل أثناء المعركة التي دارت بين الكونجرس والإدارة بشأن سقف الدين العام؟ إن هذا المعيار الذي يعد أكثر المعايير دقة لقياس مدى جدارة دولة ما بالحصول على ائتمان، يعد في غاية الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة وغيرها من دول العالم. ومع ذلك نجد أنه ما زال من غير الواضح ما الذي تبقى من هذه السمة المهمة؛ "جدارة الحصول على ائتمان"! وهذا المعيار قابل للتغير، خصوصاً إذا ماأخذنا في اعتبارنا أن اثنتين من وكالات التصنيف الائتماني العالمي، هما "موديز" و"فيتش"، تريان أن هناك أفقاً سلبياً لهذا التصنيف، بمعنى أن احتمالات انخفاضه أكثر من احتمالات ارتفاعه، خلال السنوات الثلاث المقبلة. أما وكالة "ستاندارد آند بورز" فقد قامت بتخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة بالفعل خلال الصيف الماضي أثناء معركة سقف الدين التي أشرنا إليها آنفاً، حيث وضعت الولايات المتحدة في التصنيف (+AA)، بل ما زاد الطين بلة هو أنها وضعت ذلك التصنيف في قائمة التصنيفات المرشحة لمزيد من التخفيض. ويشار إلى أن الدول المصنفة ائتمانياً (AAA) في الظروف الاقتصادية العالمية الحالية قليلة، وأن بعض الدول التي تحمل هذا التصنيف، مثل ألمانيا، تدر سنداتها الحكومية فائدة سلبية. والتصنيف الائتماني الأميركي لا يفيد فقط الظروف المالية الحالية في الداخل، لكنه يحمل أهمية كبيرة للاقتصاد العالمي أيضاً. وعلى هذا الأساس يقول الخبراء إن أي ضرر إضافي لقدرة أميركا الائتمانية يمكن أن يضعف الاقتصاد العالمي، ويمكن أن يسرّع من عملية الانتقال إلى منظومة عالمية سيئة التعريف، ومتحيزة، وغير كاملة، تعتمد على عدد من العملات الاحتياطية العالمية وليس عملة واحدة كما هو الحال الآن. كما يمكن أن يحدث المزيد من التقويض لشرعية المؤسسات الدولية، مثل البنك وصندوق النقد الدوليين. وفي أعقاب تصنيف "ستاندارد آند بورز" شكك البعض في قيمة تلك التصنيفات، واستدلوا على ذلك بأن الاقتصاد العالمي قد استمر في العمل من دون أي تدخل. ويشار إلى أن الولايات قد استفادت، بناء على هذا التصنيف، من ثلاثة عوامل أخرى: الأول أن أزمة الديون الأوروبية قد ضخت في شرايين الاقتصاد الأميركي أموالاً إضافية من المستثمرين الراغبين في مزيد من الأمان والسيولة. الثاني: نظرا لأن العديد من المستثمرين يستخدمون التصنيف الصادر من وكالتين من وكالات التصنيف وليس من وكالة واحدة، فإن التخفيض الذي أجرته "ستاندارد آند بورز" على التصنيف الائتماني للولايات المتحدة لم يترتب عليه -أوتوماتيكياً- إطلاق سلسة من القيود على نطاق واسع. أما العامل الثالث فهو أن الاقتصاد الأميركي والعالمي قد استفادا من الدرس الذي يقول إنك لا تستطيع أن تستبدل شيئاً مقابل لا شيء، أي لاتستطيع أن تغير شيئاً موجوداً لديك ولا تحل محله شيئاً آخر.(يرجع ذلك لعدم وجود عدد كاف من الدول التي تحمل التصنيف الائتماني(AAA ) بحيث يمكن لأي منها أن يحل محل الولايات المتحدة). وهذه الحقيقة تترك الاقتصاد الأميركي والاقتصادات العالمية معزولة عن بعضها على الأقل في الأجل القصير. وبمرور الوقت سوف تتآكل هذه العوامل وتتغير. وهو ما يبرز أهمية القيام بجهود مركزة ومنسقة لحماية التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، خصوصاً وأن التجربة العملية أثبتت أن الأمر قد يحتاج ثلاث سنوات حتى يمكن استرداد التصنيف الائتماني (AAA)، إذا ما تم تخفيضه. وهناك أخبار سيئة حول هذا الأمر... هل تريدون معرفتها؟ لا أحد يستطيع أن يقول بيقين ما هو الشخص أو ما هي الجهة أو الجهات التي تستيقظ كل يوم لتفكر أول ماتفكر في التصنيف الائتماني للولايات المتحدة وتقلق بشأنه. ومما يؤسف له أن هذا الفراغ قد بات جديراً بالملاحظة والانتباه، سواء على المستوى القومي أو على المستوى العالمي. وهو أمر تنبغي معالجته. أليس هناك من أخبار طيبة؟ هناك بالطبع أخبار طيبة، وهي أن الإجراءات المتخذة تتماشى تماماً مع المصالح الأخرى لاقتصاد الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية. وهذه الإجراءات باختصار، تشمل فرض أعباء في المدى المتوسط على المديونية، مع القيام في نفس الوقت بتنشيط الاقتصاد وتعزيز قدرته على النمو والازدهار. والولايات المتحدة بحاجة للعمل الجدي على هذين العاملين. إن الحفاظ على التصنيف الائتماني للولايات المتحدة يجب أن يكون بنداً من البنود الأولى في أهداف وقرارات الكونجرس والإدارة خلال العام الجديد. فمن خلال معالجة هذه القضايا سوف يمكن تحقيق ماهو أكثر من الاكتفاء بحماية التصنيف فحسب. إن طموحات ملايين الأميركيين الذين يعانون من البطالة الكلية أو الجزئية، والذين تدخل أعداد متزايدة منهم يومياً دائرة الفقر، ورفاهية الاقتصاد العالمي كذلك، سوف تتوقف على تلك المعالجات للقضايا التي ستخدم مصالح الجميع بشكل أفضل، على أن يتم ذلك من دون إبطاء. -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس