قبل خمسين عاماً قارب عدد الأطفال الذين يموتون سنوياً 20 مليوناً، وهذا العدد تراجع إلى 7.6 مليون في العام الماضي. وهذا التراجع الذي يعكس معدل التطور الذي تم إحرازه على صعيد الزراعة والتعليم والصحة والتصريف الصحي، ما هو إلا دليل واضح على انتشار مبدأ العدالة في العالم. لكن تعرِّض الأزمة الاقتصادية العالمية هذا التقدم للمخاطر حيث يؤكد ذلك حوار الكونجرس الخاص بميزانية المساعدات الأجنبية. وأقوم اليوم الخميس بتقديم تقرير لرؤساء حكومات مجموعة العشرين بما فيهم الرئيس الأميركي الذي يتضمن مقترحات بناءة لكي يستمر العالم في استثمارات التطوير بغض النظر عن الصعوبات المالية الماثلة. وآمل أن تصبح الأفكار الثلاث المقدمة جزءاً من المداولات التي يتناولها الكونجرس خلال الأسابيع القليلة المقبلة. أولاً، أصبحت البرامج الممولة من قبل الولايات المتحدة عاملاً رئيساً في مشروع الخمسين سنة الهادف إلى رفع المستويات المعيشية حول دول العالم. وترمي هذه المساعدات إلى جسر فجوة الابتكارات. وعندما يفتقر القطاع الخاص للمحفزات وحكومات الدول الفقيرة للمال الكافي، تقوم المساعدات الذكية بتقديم الحلول الخلاقة. وما كان للثورة الخضراء التي أطعمت ملايين الناس في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، أن تحقق النجاح المطلوب من دون العلوم الزراعية المتطورة التي مولتها أميركا. وتم إنقاذ ملايين الأطفال في غضون العشر سنوات الماضية من أمراض مثل الحصبة والسعال الديكي من خلال اللقاحات التي وفرها الشعب الأميركي عبر مساهمته في منظمة "جافي أليانس". ويعتبر التحصين من الأمثلة الرائعة لمدى فاعلية المساعدات المقدمة، حيث تكفي 36 سنتاً فقط لتحصين الطفل من الحصبة طيلة حياته. ثانياً، لا تصب عمليات التطوير في مصلحة الناس الذين يعيشون في الدول الفقيرة فحسب، بل في مصلحة الجميع. وكان فقراء العالم يمثلون ثلثي السكان في الماضي، بينما الأغنياء الثلث الآخر، لكن يتزايد الآن عدد الدول التي تتمتع بقدر عال من الصحة والتعليم بوتيرة أسرع، مما يشير إلى ارتفاع معدل الرفاهية في مجتمعاتها. ولا يمكننا تخيل خريطة الاقتصاد العالمي دون وجود دول مثل البرازيل والصين والهند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية والمكسيك وتركيا. وإذا نجحت الدول التي تعاني من الفقر الآن في توفير الغذاء والتعليم والوظائف لشعوبها، يمكنها وبمرور الوقت الإسهام في الاقتصاد العالمي. كما يمكنها من جانب العرض، زيادة إنتاجها من السلع الأساسية مثل المواد الغذائية وخفض الأسعار. ومن جانب الطلب ونظراً لزيادة معدل إنتاج شعوبها، إمكانية تحولها إلى أسواق تجارية مهمة. لكن وفي حالة تعذر على الناس الحصول على احتياجاتهم الأساسية، يتولد عن استمرار المعاناة ركود اقتصادي وعدم الاستقرار. ومثلاً ليس غياب الضمير فحسب، بل خطأ استراتيجي فادح أيضاً، أن ندع المجاعة تحصد ملايين الأرواح في القرن الأفريقي. ثالثاً، ليست أميركا وحدها التي تقوم بتنفيذ مشاريع تنموية حول العالم، حيث أنفقنا 1 في المئة من إجمالي ميزانيتنا على المساعدات كما هو حال عدد من الدول المانحة الأخرى. وبقليل من الاستثناءات، فإن ما تنفقه الدول الفقيرة على تنميتها يفوق وبكثير ما تستثمره الدول المانحة. وقامت أثيوبيا مثلاً خلال الخمسة أعوام الماضية ببناء 15,000 مركز صحي في الريف لتقديم خدمات محسنة لمواطنيها. وهناك أيضاً عدد من الدول التي تتميز بنمو سريع مثل الهند والبرازيل والصين التي دمجت الخبرة التي اكتسبتها مؤخراً مع التنمية والمقدرات الفنية الكبيرة، مما منحها المعرفة والمهارة لتتميز بتأثير خاص. مثلاً زودت الصين صغار مزارعيها بنحو 10,000 صنف من الأرز لمساعدتهم في التغلب على تغيرات المناخ، الجهود التي يمكن أن تحدث فروقاً هائلة. وعلى سبيل المثال، ساعدت فصيلة جديدة من الأرز الغاطس الذي يمكن زراعته في المناطق المتأثرة بالفيضانات في كل من الهند وبنجلاديش، المزارعين على زيادة محصولهم بأكثر من الضعف. ونتوقع أن يقوم بنحو 20 مليون مزارع، بزراعة هذه الفصيلة في الست سنوات المقبلة. ويُذكر أن القطاع الخاص لا يقوم باستثمارات كثيرة في مجال التنمية كما ينبغي، نظراً لعدم وضوح محفزات الأسواق، لكن ومع ذلك توجد طرق لتشجيعه. وسأطرح في تقريري المقدم لمجموعة العشرين ست توصيات بغرض جمع عشرات المليارات من الدولارات من مصادر خاصة سنوياً. كما يدخر أفارقة الشتات نحو 50 مليار دولار تكفي لتمويل عمليات التنمية في بلدانهم في حالة الحصول عليها من خلال سندات المغتربين. وفي حال تم تخفيض رسوم التحويلات في جميع أنحاء العالم بمتوسط يتراوح بين 10 إلى 5 في المئة، سيوفر ذلك نحو 15 مليار دولار في الدول الفقيرة سنوياً. وعلاوة على ذلك، توجد تريليونات الدولارات في صناديق الثروة السيادية التي يمكن ادخار جزء يسير منها لدعم مشاريع البنية التحتية في هذه البلدان. وينتاب الأميركيين أحياناً شعور بأننا نتحمل عبء التنمية بكامله بمفردنا، وأن المساعدات التي نقدمها لا تحدث تغييراً يذكر. لكنني أرى الأمور بمنظور مختلف تماماً، حيث إننا نقدم استثمارات استراتيجية من أجل خلق عالم أفضل وتوفير المزيد من سبل الرفاهية والأمان. وفي حالة أن قمنا بذلك بالطريقة المثلى، يمكن الاستمرار في خفض معدل المساعدات للدول الفقيرة إلى الصفر. بيل جيتس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رئيس "مايكروسوفت" والرئيس المشارك في مؤسسة بيل وميليندا جيتس ينشر بترتيب مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"