لعل أول معالم سياسة إدارة أوباما في الشرق الأوسط، التي تكشفت عبر متابعة مواقفها في الشهور الفائتة، هو افتقارها للمبادرة. فمثلًا تقول مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة، في لقاء صحفي: "نواجه لحظة وجود فرصة قوية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، إذن فالأمر رد فعل. وواقع الأمر أنّ سياسة أوباما، تفضل دعم الوضع القائم "الستاتيسكو"، ولا تسرع حتى لاستغلال الفرص السانحة، أو المبادرة لدعم التغيير، بل وتدعم منع التغيير أحياناً، خوفاً من المجهول، أو لأنّ الحلفاء الإقليميين لا يدعمون التغيير. فالحديث عن دعم التغيير لا يبدو ذا معنى عملي، وما يحدث حقاً هو الانتظار ثم الميل باتجاه المنتصر والادّعاء بدعمه، وهذا ما رأيناه في مصر بوضوح. وثاني مبادئ أو معالم هذه السياسة، عدم وجود مبدأ يحكمها حقاً، فهي سياسة براجماتية تقيس المصالح وما هو ممكن وما هو متعذر في كل حالة على حدة على رغم خطاب مليء بالشعارات والأماني. وعلى سبيل المثال فإنّ أوباما في خطابه عن سياسة بلاده الشرق أوسطية قبل أيام قال إنّ القيم الأميركية التقليدية هي "أولوية عليا"، لسياسته الخارجية. كما أبلغ أوباما، بحسب ما يقول ديفيد سانغر في "نيويورك تايمز" سفراء وناشطين من الشرق الأوسط في لقاء في وزارة الخارجية، بأنّه "بعد عقود من قبول الوضع كما هو في المنطقة" لدينا فرصة أن "نجعل العالم كما يجب أن يكون". وهذا الموقف يبدو للوهلة الأولى كما لو كان تحولًا في سياسة أوباما، وتبنٍّ لمذهب بوش في حمل لواء التغيير، ولكن أوباما يعترف بمحددات تقلل قدرته على الحركة فيقول، في خطابه المذكور: "تتعارض مصالحنا قصيرة المدى أحياناً مع رؤيتنا طويلة المدى". وهذا يعني أنّ أموراً من نوع أنّ الخوف من انهيار النظام السوري واستفادة قوى "القاعدة" والإرهاب، وتحول فلول النظام إلى جزء من التوتر في المنطقة، على غرار ما حدث في العراق، تضاف إلى ذلك معارضة دول في المنطقة لتحرك ضد النظام السوري، تؤدي لمحدودية التحرك في هذا الاتجاه، على عكس الوضع في ليبيا. وهذا يعني أنّ الحديث عن تغيير العالم ليصبح "كما يجب" مربوط بمصالح قصيرة المدى، مما يفرغ فكرة التحول والقيم الأميركية من معناهما. وثالث المبادئ هو التسليم بصعود الحلفاء الإقليميين، قوة أساسية ومستقلة أحياناً. وهذه سمة جديدة في النظام الدولي الراهن، ففي كل منطقة في العالم تقريباً دول كبرى على المستوى الإقليمي لا يمكن الشروع في ترتيبات إقليمية جديدة دون موافقتها. ولم تعد المنظومات الإقليمية الحليفة تنتظر رأي واشنطن، ومثلًا حدثت تفاعلات عدة في منطقة الخليج العربية، تبدو واشنطن كما لو كانت متفاجئة بها وحائرة اتجاهها. وهذا قد يفسر احتراماً من واشنطن لحلفائها ولكنه قد يعكس موازين قوى جديدة. وهذه المعطيات جميعها تكاد تعني أنّ أوباما ليس فقط غير مهتم بنشر قيم أميركية، وأنّه بلا مذهب في السياسة الخارجية، بل وأنّه متردد أيضاً في اتخاذ مواقف واضحة في قضايا تمس مكانة واشنطن الدولية ومصالحها الاستراتيجية، ويتمنى عدم أخذ موقف.