بعد أن تعرض للانتقاد والسخرية بسبب تواضع ميزانيته المقترحة لعام 2012، ظهر أوباما أمام الصحفيين الأسبوع الماضي ليقول إنه منفتح على المقترحات الخاصة بإجراء خفض كبير في الميزانية يفوق ما كان قد تقدم به في خطته للميزانية. وقال أوباما إن واشنطن تمتلئ هذه الأيام بالأشخاص المهمين الذين يجب أن يحسب المرء لهم ألف حساب، ولكنه لا يعرف السبب الذي يدفع البعض منهم للاعتقاد بأن مقترح الميزانية الذي قدمه بالفعل والمكون من 2403 صفحة، والذي كان قد نشر في اليوم السابق مباشرة على لقائه مع الصحفيين هو كلمته الأخيرة بشأن هذا الموضوع(الخفض). ورحب الرئيس المساعد للجنة المالية لأوباما - الذي تجاهل أوباما النجاح الذي حققه في التعامل مع الحزبين فيما يتعلق بمناقشة الميزانية - بالمقدمة البليغة لمقترح الميزانية، وقال في مقال نشر في صفحة الرأي بـ"واشنطن بوست":"إن الشيء الذي يبعث على الحزن في الحقيقة هو أن الرئيس لا يراهن على المسائل الكبرى". وقال"إرسكاين باولز" العضو "الديمقراطي" في الكونجرس:"لاشك أن أوباما كان على صواب عندما قال إن التعاون بين الحزبين هو النقطة التي يجب البدء من عندها". وأضاف"الآن سيمبسون" العضو "الجمهوري" في الكونجرس بدوره:"المحك الحقيقي هو ما إذا كان أوباما سيتابع الموضوع، ويعمل على تحويل نواياه الطيبة إلى أفعال". ما هي فرص نجاح ذلك؟ إذا كان أوباما جاداً بشأن إصلاح نظام الضمان الاجتماعي، وساوره الشك في أن البدء بمقترح قد يضر بحظوظه الرئاسية، فإن المفترض على الأقل أن يقوم بوضع الأسس لإصلاح ذلك النظام من خلال الحديث بصراحة عن التحدي الذي يمثله. ولكن الذي حدث حتى الآن هو العكس تماماً من ذلك. فأوباما كانت لديه خطة لدعم برنامج الضمان الاجتماعي، عندما خاض السباق الرئاسي، أما الآن فمديره لشؤون الميزانية يقول إنه ليس هناك ما يدعو للعجلة (فيما يتعلق بدعم هذا البرنامج). في اعتقادي أن الصيغة التي يقدمها الرئيس للضمان الاجتماعي متواضعة للغاية حيث قال:"أعتقد أننا يجب أن نقوي الضمان الاجتماعي من أجل الأجيال المقبلة". وظني أننا قادرون على القيام بذلك من دون تخفيض المنافع، أو تعريض المتقاعدين حالياً للمخاطر. ومن الواضح أن لجوء أوباما المتكرر لذكر فعل"يخفض" في مقترحه، مقصود به إرسال إشارة للمصلحين أنه سيكون مستعداً لتبني إجراء أقل من ذلك "تعديل" أو تكييف" أو"تهذيب" مثلاً، مع إظهار استعداده في الوقت نفسه لطمأنة الناخبين تجاه مسألة التصدي لـ"الجمهوريين" الأشرار الذين يسعون إلى انتزاع منافع الضمان الاجتماعي الخاصة بهم. ومضى أوباما للقول في كلمته المشار إليها:"ولكن، انظروا! لقد كنت سعيداً أمس عندما سمعت زعماء من الحزب الجمهوري يقولون (ما الذي حدث حتى لا تتكلم عن الاستحقاقات؟ ) ..اعتقد أن ذلك السؤال في حد ذاته يمثل تقدماً". لا خلاف على أن منظري الحزب "الجمهوري"، يضعون عقبات كثيرة أمام إصلاح الميزانية، منها على سبيل المثال: نفورهم الدائم من رفع الضرائب، ومعارضتهم لبعض الميكانيزمات الواعدة في مجال التحكم في تكاليف مشروع الرعاية الصحية.. ولكن رفضهم مناقشة موضوع" الاستحقاقات" ليس واحداً من تلك العقبات، لأن الحقيقة هي أن المنظرين في حزب أوباما هم الذين يمتنعون عن وضع الاستحقاقات، وخصوصا تلك المتعلقة بالضمان الاجتماعي، على بساط البحث. وإذا كان أوباما ينوي أن يحقق الآمال التي عبر عنها "باولز" و"سيمبسون"، فإن نبرته في الحديث والمناقشة كان يفترض أن تكون أكثر إلحاحاً واستعجالاً من النبرة التي يستخدمها حالياً، ومنها على سبيل المثال ما قاله في لقاء له مع الصحفيين يوم الثلاثاء الماضي:"الشيء المهم في نظري هو عدم التشكيك في أهمية الخيارات الصعبة المطلوبة تحديداً لتحقيق استقرار الوضع". وأضاف أوباما:"وهدفي هو أنه بعد عام من الآن، أو بعد عامين من الآن، سوف ينظر الناس إلى هذه الفترة ويقولون لأنفسهم: لقد بدأنا بالفعل في تحقيق تقدم في هذه المسألة". ولكن "البدء في تحقيق تقدم"، في رأيي، يمكن أن يعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين. علاوة على أنه بعد عام من الآن سوف تكون الحملات الانتخابية للسباق الرئاسي قد بدأت. أما بعد سنتين من الآن، فإن أوباما نفسه ربما يكون قد أصبح خارج منصبه. إذا لم يتم تحقيق تقدم الآن - وليس بعد عام أو عامين-فإن هذا التقدم في رأيي لن يحدث أبداً. وإذا كانت"الخيارات الصعبة" التي يحب أوباما التحدث عنها، تشمل المساومة بأي طريقة من الطرق على آماله السياسية، أو كانت تعني التضحية بجزء من شعبيته من أجل تحقيق الرشادة المالية، فإنه لا يوجد دليل حتى الآن على أنه أنفق أو ضحى بأي منهما، أو حتى بجزء من كل واحد منهما. الأمل الآن أن تقوم مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ، تتقدمها شخصيات من نوعية السيناتور مارك وارنر( ديمقراطي - فرجينيا) والسيناتور"ساكباي تشامبليس"(جمهوري-جورجيا) بتقديم خطة مقبولة لإجراء خفض جاد في العجز، يقرر أوباما تبنيها على أساس أن هذا التبني يمكن أن يساعده عند خوضه لانتخابات الرئاسة عام 2012. ربما لا يتناسب شيء مثل هذا مع تعريف معنى"القيادة الحقة".. ولكن الحقيقة التي لا خلاف عليها، هو أنه ليس هناك أمام أوباما من فرصة سوى هذه، لتحقيق تقدم في العامين المقبلين. فريد حياة كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"