باتت قضية التأخر العربي في التصنيفات العالمية للجامعات، قضية بارزة في الإعلام العربي، ومؤشراً يتكرر استعماله من الرسميين والكتّاب والمثقفين، وحتى رجل الشارع العادي، دلالة على تخلف الواقع التعليمي العربي، إن لم يكن على تأخر شامل. لكن مجلة "آفاق المستقبل" في عددها الأخير، تنبّه لما قد يكون وجهة نظر ثانية، لا من زاوية الدفاع عن الجامعات العربية، بل انطلاقاً من أن نتائج التمحيص في التصنيفات العالمية، أثبتت أنّها ربما تكون غير موضوعية، وليست بالضرورة هي البوصلة الأنجع للتقييم. وليس أدل على قوة التشكيك في مصداقية هذه التصنيفات، من مقاطعة جامعات عالمية كبرى لها. فمثلاً "جامعة ريد" كانت تبرز ضمن الجامعات العشر الأولى في العلوم الإنسانية، في تصنيف "يو إس نيوز"، لكنها قاطعت التصنيف منذ عام 1995، وفي العام التالي قاطعته "جامعة ستانفورد" الشهيرة. ومن الانتقادات الموجهة لهذا التصنيف مثلاً، أنّه يطلب من عمداء الكليات المشاركة تعبئة نحو 600 استمارة لتقويم نحو 220 كلية وجامعة أخرى. وقد تساءل رئيس "ريد" في عام 2005 في مقال له إن كان يمكن لأي إنسان في العالم أن يفعل ذلك؟ في العام الماضي قابلت باحثة آسيوية، خبيرة في مجال العلاقات التعليمية بين الشرق والغرب، وقالت إنّ السعي للتقدم على سلم الجامعات العالمية، يعني أن تتحول الكثير من جامعات العالم إلى اللغة الإنجليزية. وضربت لي مثلاً هولندا حيث أصبحت جامعاتهم تفضل أن ينشر الباحثون مقالاتهم باللغة الإنجليزية، إذ أنّ هذه المقالات هي التي ترصد في التصنيفات. وفي "آفاق المستقبل" إشارة إلى 18 بحثاً عالمياً ينتقد تصنيف "شنغهاي" الصيني، والذي ربما يكون الأشهر عالميّا. ومن أهم الانتقادات، عدا عن التشكيك في دقة احتساب العلامات للجامعات، أنّ قواعد البيانات التي يعتمدها التصنيف لاحتساب الأبحاث العلمية المنشورة، هي قواعد مقتصرة على ما ينشر بالإنجليزية. وهذا يعني ضرورة التخلي عن اللغات الوطنية، وأنّ مخزون المعرفة العالمي سيزداد باللغة الإنجليزية على حساب اللغات الأخرى، وبالتالي تقل فرص استفادة الناطقين بغير الإنجليزية من هذه الأبحاث. وتقول المجلة إنّ "التصنيفات التي تنتشر في العالم ضمن مجالات مختلفة هي مظهر من مظاهر العولمة، وتعني أنّ ثمة معايير مشتركة يمكن أن تطبق على الدول كلها دون استثناء". وهو ما يرفضه الأكاديميون العرب، الذين التقتهم المجلة. أكاديمي عربي قابلته العام الفائت، قال إنّ بعض متطلبات التصنيفات إيجابية، ومنها مثلاً وجود وصف واضح للمنهاج، مطبوع وموزع على الطلبة، وقال إنّ أساتذة جامعته رفضوا تطبيق الفكرة، لأنّهم يعتبرون ذلك تعدياً على حقوقهم في تحديد ما الذي يدرسونه. كثير من معايير التصنيفات الجامعية يساعد، في حالة الاهتمام به، على ارتقاء الجامعات العربية، لكن النتيجة شبه المتفق عليها بين الأكاديميين أنّ التصنيفات العالمية ليست موضوعاً محورياً في خطط التطوير التعليمي، وأنّ لكل دولة متطلباتها وأجندتها. إذن، هل بالغ الإعلام العربي، المرئي والمقروء، في تركيزه على قضية التصنيفات هذه ومدى دلالاتها؟ يبدو الأمر كذلك، فمثلاً تجد أكثر من كاتب أشار إلى مقياس "ويبمتريكس" وتخلف الجامعات العربية عليه، مع أنّ هذا المقياس خاص بتصنيف أداء مواقع الإنترنت في الجامعات.