عندما أطلق جارد لي لوفنر النار على النائبة جابريلي جيفوردز في الرأس على ما يفترض، ثم بدأ يطلق النار على حشد من الناس تجمعَ في موقف سيارات لأحد المتاجر في مدينة توسون، هل كان ذلك مأساة؟ أم إرهاباً؟ معظم وسائل الإعلام اختارت عبارة "مأساة في توسون"، ولم تتساءل ما إن كانت عملية إطلاق النار تلك عملاً إرهابياً. غير أن بعض المسؤولين الحكوميين بدؤوا يثيرون الموضوع مؤخراً على الأقل؛ حيث لم يستبعد مدير مكتب التحقيقات الفدرالي "إف بي آي" روبرت مولر توجيه تهمة الإرهاب إلى لوفنر؛ كما أشارت وزيرة الخارجية إلى حادث إطلاق النار في كلمة لها الأسبوع الماضي وقالت: "لدينا متطرفون في بلدي"، داعيةً البلدان عبر العالم إلى التعاون ضد العنف. والواقع أن الإرهاب يشبه الأفلام الإباحية؛ يعرفه الناس حين يرونه. وفي هذا الإطار، لفت أحد الرواد المعاصرين في دراسة الإرهاب، بريان جينكينز، ذات مرة، إلى أن "الإرهاب هو ما يقوم به الأشرار". ومازال هذا المفهوم صحيحاً إلى اليوم، والنتيجة هي الاستعمال المفرط أو القليل لوصف "إرهابي". غير أن إساءة فهمه تنطوي على خطر كبير. فإحدى أولى الهجمات المنسوبة للجهاديين والتي وقعت في الولايات المتحدة كانت حادثة مقتل الحاخام المتطرف مير كاهان، مؤسس "رابطة الدفاع اليهودية"، وقد وُجهت للمدعو "نُصير" تهمة القتل؛ غير أنه تم التعامل مع الهجوم كجريمة بسيطة، ونجا نصير من الإدانة. ثم واصل محاولات قتل آلاف الأشخاص في إطار محاولة تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993. وقد ساعد سعودي مغمور يدعى أسامة بن لادن في دفع مصاريف الدفاع القانوني عن نصير في محاكمة كاهان، لكن التركيز الضيق على الجريمة دفع ممثلي الادعاء العام إلى تجاهل المؤامرة الأكبر التي كان المدعى عليه جزءاً منها. وبعد ذلك أدين نصير في تفجير مركز التجارة العالمي بتهم شملت الابتزاز والتآمر التخريبي، وهي أدوات قانونية استعملها المدعون العامون لملاحقة الإرهابيين، وتضمنت المؤامرة في هذه الحالة قتل كاهان. بيد أن الإفراط في استعمال وصف "الإرهاب" أكثر خطورة، وذلك لأن القصد من وراء الهجمات الإرهابية هو بث الخوف. وإذا قمنا بإلقاء اللوم على الإرهابيين متى أريقت الدماء، فإننا نكون بذلك قد جعلنا من يرتكبون تلك الأعمال أكثر قوة على نحو مصطنع. وعلاوة على ذلك، فإن توجيه تهمة الإرهاب يجلب أيضاً بواعث قلق أكبر بشأن الأمن القومي لأي عمل عنيف، مما قد يؤدي إلى فرض مزيد من القيود على الحريات المدنية. ثم إنه إذا كان الإرهابيون الأجانب يوحدون الأميركيين، فإن العنف السياسي في الداخل يمكن أن يقسمنا. واللافت هنا أن كلاً من الأصوات المؤيدة والمناوئة للترخيص بحمل سلاح بدأت منذ بعض الوقت في تأويل أفعال لوفنر المفترضة، حيث اتهمت المرشحة الجمهورية السابقة لمنصب نائب الرئيس سارة بالين خصومها السياسيين بإطلاق اتهامات عنصرية ضدها من خلال انتقادات لبعض خطاباتها. وفي هذا الخضم، فإن القول بأن لوفنر إرهابي يشير ضمنيا إلى أن الجانب المؤيد للسلاح ليس مخطئاً فحسب، وإنما يشكل تهديداً لأمن الولايات المتحدة أيضاً. وفي زمن بات فيه استهداف الأشخاص المنتمين إلى مجموعة عرقية معينة جزءاً من النقاش حول الإرهاب، فإن الوصف قد يُستعمل بسهولة عندما يتطابق المهاجم المفترض مع الأفكار الجاهزة بخصوص الشكل الذي يبدو عليه إرهابي. ولنفترض هنا أن لوفنر كان لديه اسم يوحي بأنه مسلم، رغم أنه فعل ما فعله بشكل فردي ولديه تاريخ طبي يشهد على مرض عقلي، فماذا كنا سنقول حينها؟ من أجل محاربة لإرهاب، علينا أن نفهمه، ومن أجله فهمه، علينا أن نعرف ماهيته. ولهذا، يعمل الخبراء بجد على تعريفه. وقد وضع بعض المحللين، وفي مقدمتهم بروس هوفمان، معايير للحكم على عمل عنيف ما وتحديد ما إن كان ينبغي وصفه بالإرهابي. ورغم أنه لا يوجد إجماع، فإن العوامل الشائعة تشمل الآتي: 1- هل كان الدافع سياسياً؟ 2- وهل سعى المهاجم إلى التأثير على جمهور أوسع؟ 3- وهل يتعلق الأمر بمجموعة منظمة أو هو مجرد عمل فردي؟ 4- وهل استهدف مدنيين؟ 5- وهل نفذ من قبل فاعل غير الدولة، أي شخص أو مجموعة أشخاص خارج الحكومة؟ ربما تتعلق المشكلة الأكثر تعقيداً بمن هو الشخص المدني. في البداية، يبدو ذلك واضحاً جداً: ذلك أنه لم يتم إرسال أي جنود إلى البرجين التوأم في الحادي عشر من سبتمبر 2001؛ كما أن القنابل التي تنفجر في الأسواق العراقية من الواضح أنها تسعى إلى استهداف المدنيين، وليس المقاتلين. لكن لنتأمل الهجوم الذي شنته "القاعدة" عام 2000 على السفينة الأميركية "يو إس إس كول"، والذي قتل فيه 17 بحاراً أميركياً. فبالنسبة لمعظم الأميركيين يبدو ذلك إرهاباً؛ لكن البحارة السبعة عشر كانوا على متن مدمرة مجهزة بالصواريخ الموجهة، وليست سفينة صيد أو ركاب، أما قاتلوهم فهم أعداء لأميركا، لكن البحارة لم يكونوا مدنيين على النحو الذي كانت عليه جيفوردز والأشخاص الذين كانوا بجوارها. وبالتالي، فهل لوفنر إرهابي؟ على ما يفترض، فإن هذا الأخير استعمل العنف، ولم يفعل ما فعله باسم دولة ما، واستهدف مدنيين. لكن بعد ذلك يظهر الغموض؛ ذلك أنه من غير الواضح ما إن كان يرغب في التأثير على جمهور أوسع، كما أن أعماله يفترض أنها حدثت بشكل منفرد. ولعل أكبر سبب لتجنب وصف هذا الشاب، والذي يتضح أنه مختل عقلياً، بالإرهابي، هو وجود أجندة سياسية لديه من عدمه. فمن خلال ما نشره على موقع يوتيوب ومقابلات مع أشخاص عرفوه، فإن الصورة التي تتشكل هي صورة رجل ينتقد الحكومة انتقاداً لاذعاً، إذ قال: "لن أسدد الدين بعملة غير مدعومة بالذهب والفضة!". لكنه مدع مهمش أكثر منه مؤمن بقضية ما، إذ يصف جيفوردز باعتبارها "دجالة"، وصف يذكِّرنا أكثر بهولدن كولفيلد (الشخصية الروائية التي باتت رمزاً للتمرد والقلق) أكثر مما يذكِّرنا بأيمن الظواهري. وسلوكه غريب يصعب التنبؤ به، على ما يقال. يحذر من سيطرة الحكومة على العقول، ويسعى إلى العيش في العالم الذي يحلم به، والذي يعتقد أنه يستطيع التلاعب به كشخصية في فيلم "ذا ماتريكس". وقد صرح أحد أصدقاء لوفنر بأنه ليست لديه أي ميول سياسية أو أيديولوجية، مشبهاً إياه بشخصية "الجوكر" في أحدث أفلام "باتمان"، إذ قال: "ليس ثمة إيقاع أو منطق، إنه يريد أن يرى العالم يحترق". والأكيد أن الأميركيين حائرون وحزينون بعد حادث إطلاق النار الذي وقع في توسون قبل أسبوع، وليس ثمة طريقة جيدة لتفسير الأسباب التي دفعت لوفنر إلى القيام بما قام به، غير أن ثمة طريقة لتصنيفه: مأساة في توسون، وليس إرهاباً. دانييل بايمان أستاذ ببرنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، ومدير البحوث بمركز "سابان" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"