منذ عام تقريباً، وتحديداً يوم "الكريسماس"، حاول شاب نيجيري يدعى عمر عبد المطلب تفجير طائرة ركاب نفاثة في الجو أثناء هبوطها في مطار ديترويت، باستخدام متفجرات كان قد أخفاها في ملابسه الداخلية. ولحسن الحظ، أنه عندما بدأ يتحسس أداة التفجير على جسمه أدرك المسافرون الآخرون أن هناك شيئاً ما غير طبيعي، وبادروا بشل حركته، والحيلولة بينه وبين تفجير نفسه، وتفجير الطائرة بمن عليها. خلال الاثني عشر شهراً الماضية، قامت الولايات المتحدة بحل معظم المشكلات - تقريباً - التي كشفت عنها محاولة النيجيري: فوزارة الخارجية تقول إنها تجري فحوصات روتينية للحيلولة دون حصول الإرهابيين المحتملين على تأشيرة دخول للولايات المتحدة. ووزارة الأمن الداخلي تقول إنها باتت قادرة الآن على منع المشتبه فيهم من ركوب الطائرات المتجهة للولايات المتحدة على نحو أكثر كفاءة عما كان عليه الأمر من قبل. أما المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، الذي كان يفترض فيه القيام بالربط بين المعلومات الاستخباراتية المتحصل عليها من جهات مختلفة، فيقول إنه قد طور من قدرته على البحث في قاعدة البيانات الحكومية بحثاً عن معلومات تخص أي تهديدات محتملة. أما الركاب فيخضعون حالياً للفحص عن طريق الماسحات الضوئية؛ ولهم إذا ما رفضوا هذه الطريقة أن يختاروا الطريقة التقليدية الخاصة بالتفتيش اليدوي. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال هناك مشكلات لم تُحلْ بعد. ففي المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، ليس هناك بعد قاعدة معلومات مركزية تقوم تلقائياً بدمج المعلومات القادمة من شتى المصادر. فالمسؤولون يقولون إن نظامي المعلومات الخاصين بــ"سي.آي.إيه"، و"إف.بي. آي" غير متكافئين سواء من الناحية الفنية (حيث يستخدم كل نظام منهما لغة حاسوبية مختلفة عن الآخر)، أو من الناحية القانونية، حيث يطبق كل نظام منهما لوائح مختلفة بشأن تقاسم المعلومات، وهو ما يزيد من درجة صعوبة تحليل المعلومات المتحصلة من كل منهما، والربط فيما بينهما. في الوقت نفسه، لا يزال الإرهابيون قابعين في مكان ما، محاولين إيجاد ثغرة في الدفاعات الأميركية. فعندما لا تصلح طريقة ما لاختراق تلك الدفاعات، فإنهم يجربون طريقة أخرى، وعندما يعجزون عن الوصول للولايات المتحدة، يقومون بتحريض أحد الباكستانيين الساخطين الحاصلين على الجنسية الأميركية، والذي يعيش في الولايات المتحدة، ليقوم بتعبئة سيارة دفع رباعي بالمواد الناسفة، تمهيداً لتفجيرها في ميناء مزدحم في قلب نيويورك (تايم سكوير). وعندما تزداد الرقابة والتفتيشات على المسافرين يلجؤون إلى إرسال الطرود المفخخة؛ وعندما يجدون أن الهجمات واسعة النطاق على الأراضي الأميركية على غرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر قد باتت غير عملية، يغيرون من تكتيكاتهم ويخططون لشن هجمات على نطاق محدود. بيد أن المتوقع أن الإرهابيين سينجحون يوماً ما في القيام بهجوم؛ وقولي هذا لا يصدر عن تفكير انهزامي، وإنما عن تفكير واقعي. لذلك، فإن واحداً من أكثر المفاهيم قبولًا في مكافحة الإرهاب اليوم، هو ذلك الذي يطلق عليه "الصلابة والمرونة" والذي يعني الاستعداد للهجمات الإرهابية، والتقليل من آثارها لأدنى حد ممكن عند وقوعها. فالإرهابيون كما هو معروف، يسعون إلى إلحاق الضرر بأعدائهم من خلال دفع هؤلاء لردود فعل تفوق في شدتها العمليات الإرهابية الأصلية التي يقومون بها. فبن لادن على سبيل المثال، أنفق نصف مليون دولار فقط على شن هجمات الحادي عشر من سبتمبر على نيويورك وواشنطن، ولكنه كبد الولايات المتحدة مليارات الدولارات نتيجة لإغلاق الأسواق المالية، والرحلات الجوية، وتعطيل قطاع كبير من الاقتصاد الأميركي بسبب تلك الهجمات، ناهيك بالطبع عن تكاليف الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على أفغانستان، وعلى الحملات الأخرى المضادة للإرهاب، والتي ألحقت أذى جسيماً بسمعة الولايات المتحدة وصورتها في العالم، وكبدتها خسائر مادية وبشرية باهظة. ولكن إذا نجح مجتمع ما في الاستعداد بشكل جيد للهجمات الإرهابية، واتخذ من الاحتياطات ما يتأكد من خلاله من تدريب مواطنيه وتوعيتهم على كيفية التصرف في حالة وقوع مثل هذه الهجمات، ونجح في ذات الوقت من خلال خطط وتدابير ملائمة، من حماية مواصلاته، وخطوط اتصالاته، وشبكه مرافقه، وبنيته التحتية، وقلل إلى أقصى حد من قدرة الإرهابيين على شل تلك الأنظمة من خلال أعمال تخريبية فإن تأثير الهجمات الإرهابية، سوف يتم الحد منه لحد كبير. نعم سيظل الإرهاب يمثل تهديداً، ولكن ليس تهديداً وجودياً. وعلى الرغم من أن الحكومة الفيدرالية قد أنفقت الكثير من الوقت والمال، على العمل من أجل التوصل للطرق الملائمة التي يمكن بها حماية البنية التحتية الأميركية، وقامت في الوقت ذاته بتشجيع حكومات الولايات المختلفة، على تحسين خطط الطوارئ الخاصة بها، إلا أن الملاحظ أنه لا يوجد حتى الآن تركيز ذو شأن على الجانب الخاص بتوعية الجمهور، وذلك منذ الأيام التي قام فيها "تود ريدج" أول وزير أميركي للأمن الداخلي بتوعية الجمهور حول إحكام سد الغرف عن طريق استخدام الأشرطة اللاصقة العريضة كأجراء فعال للحماية ضد الهجمات الكيماوية. يجب على الحكومة الأميركية أن تقوم بحملات توعية للجمهور على الكيفية التي يمكن له بها أن يتصرف في حالة وقوع هجوم بالقنابل، سواء القنابل العادية، أو القنابل التي تحمل مواد كيماوية أو بيولوجية، أو حتى في حالة تفجير جهاز يحمل شحنة نووية محدودة، وأن تقوم في الوقت نفسه بعمل سيناريوهات مختلفة لتقليل الخسائر، التي يمكن أن تصل إلى مئات الآلاف في حالة التصرف على نحو مرتجل عند وقوع مثل تلك الهجمات. سكان كاليفورنيا يعرفون جيداً كيف يتصرفون في حالة وقوع زلزال؛ وسكان كنساس يعرفون جيداً كيف يتصرفون في حالة تعرضهم للزوابع، وسكان فلوريدا يعرفون جيداً كذلك كيف يتصرفون في حالة تعرضهم للأعاصير. والمطلوب الآن من إدارة أوباما أن تعمل على رسم السياسات، واتخاذ الإجراءات التي تضمن بها أن كل أميركي يعرف جيداً ما الذي سيقوم به في حالة تعرض بلاده لهجوم من أي نوع. إننا أكثر صلابة مما نبدو عليه... ونحن قادرون بالتأكيد على القيام بذلك. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة"إم. سي. تي. إنترناشيونال"