على غرار معظم الأميركيين، أنحدرُ من أصول مهاجرة وأُعتبر أحد المستفيدين الممتنين من الفرص التي تتيحها بلادنا لمواطنيها، حيث هاجر والداي من المكسيك في أوائل القرن العشرين بحثاً عن حياة أفضل، وقد وجداها عبر العمل في حقول تكساس ومزارعها. والواقع أن التنوع يعد من بين أعظم نقاط قوة الولايات المتحدة -أي التنوع الذي تغذيه هجرة الإثنيات والثقافات والأفكار. غير أن هناك اتفاقاً عامّاً تقريباً اليوم على أن سياسة الهجرة التي نعتمدها قد أصبحت معطلة. وعلى رغم أن الأمن قد تحسن على حدود أميركا الجنوبية خلال العقد الماضي، إلا أنه ما زال غير كافٍ في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، ذلك أن الكثير من المشغِّلين يقومون بتشغيل عمال لا يملكون وثائق قانونية، غير مبالين بالمتابعة القضائية، كما أن الآلاف من الأشخاص يَعبرون حدودنا بشكل غير قانوني معتقدين أنه لن يتم توقيفهم، بل متوقعين تلقي المزايا، ثم العفو في نهاية المطاف. وبناء على ما رأيتُ، فإن معظم المهاجرين غير الشرعيين يأتون إلى أميركا من أجل إعالة عائلاتهم، وهم يساهمون في اقتصادنا؛ غير أننا دولة قوانين؛ وعندما يخرق الناس القانون ويفلتون من العقاب، فإن ذلك يشجع على مزيد من العصيان ويؤدي إلى ازدراء أكبر لحكم القانون. ومؤخرا، قصد مسؤولو إدارة أوباما المحكمة لمنع ولاية أريزونا من فرض احترام قوانين الهجرة الفيدرالية من خلال قانون سُن حديثاً على صعيد الولاية، مجادلين بأن الدستور يمنحهم السلطة الوحيدة في هذا المجال. ومن غير الواضح كيف ستبت المحاكم في هذا الأمر في النهاية. ومعلوم أن الرئيس بوش ضغط في اتجاه إصلاح شامل للهجرة، ولكن أعضاء الكونجرس "الجمهوريين" رفضوا دعمه. وعلى رغم أن الرئيس أوباما ورموز الزعامة الحالية في الكونجرس استعملوا الأغلبية لسن إصلاح شامل للرعاية الصحية والقطاع المالي، إلا أنهم يفتقرون على ما يبدو للإرادة من أجل السعي لتمرير تشريع شامل حول الهجرة. والواقع أنه حتى والدتي التي تبلغ من العمر 78 عاماً ولا تهتم بالسياسة والسياسيين باتت تتساءل حول ما إن كان "الديمقراطيون" يحتفظون بهذا الموضوع على الطاولة لأسباب سياسية، على أمل أن يقترح "الجمهوريون" تدابير لفرض القانون تستعدي الناخبين اللاتين. ومؤخراً أيضاً، عبَّر بعض السياسيين والمواطنين القلقين عن الرغبة في تغيير التعديل الدستوري الرابع عشر من دستورنا، والذي يقول في بنده الأول: "إن كل الأشخاص الذين يولدون أو يُجنسون في الولايات المتحدة، ويخضعون لقوانينها، يعتبرون مواطنين للولايات المتحدة وللولاية التي يعيشون فيها". ويريد المؤيدون لهذه الفكرة ثني الأمهات اللاتي ليس لديهن وثائق قانونية عن عبور حدودنا وولادة الأطفال الذين باتوا ينعتون على نحو ازدرائي بـ"أطفال المرساة"، والذين يعتبرون بمقتضى القانون مواطنين أميركيين. والحال أن تنفيذ مثل هذا التغيير صعب لأنه يتطلب تعديلا جديداً يحظى بدعم ثلاثة أرباع الولايات. شخصيّاً، لا أؤيد مثل هذا التعديل، وأعتقدُ أنه ينبغي تغيير التعديلات الدستورية فقط في ظروف استثنائية لا يمكننا معالجتها بشكل فعال عبر التشريع أو التقنين. ثم إنه لما كان معظم العمال غير الشرعيين يأتون إلى بلادنا من أجل إعالة أنفسهم وعائلاتهم، فإن تعديلا دستوريّاً لن يحل أزمة الهجرة في بلدنا، لأنه من شبه المؤكد أن الناس سيستمرون في عبور حدودنا بحثاً عن حياة أفضل، وذلك بغض النظر عن إمكانيات الجنسية الأميركية. وباعتباري المسؤول الأول السابق عن فرض احترام القانون في بلدنا ومواطناً يؤمن بحكم القانون، فإنني لا يمكن أن أتغاضى عن شخص يأتي إلى هذا البلد بشكل غير قانوني؛ غير أنني كأب يريد الخير لأطفاله، أتفهم لماذا يخاطر هؤلاء الآباء أصلاً للقدوم إلى أميركا. وإذا كنا نريد منع هذه الممارسة، يجب أن نمرر ونفرض احترام تشريع شامل حول الهجرة، بدلا من تعديل الدستور. إننا في حاجة إلى سياسة هجرة جديدة تكمِّل سياسة أمننا القومي وسياستنا الاقتصادية. وفي عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، يجب أن نعرف مَن يأتي إلى هذا البلد ولماذا -لأنه لا يمكن أن يكون لدينا أمن حقيقي إذا نحن لم نؤمِّن حدودنا- كما يجب أن تعزز سياستُنا الجديدة في هذا المجال احترامَ القانون عبر التطبيق الفعال الذي يشمل تبسيط عملية الترحيل وفرض عقوبات أشد على المشغِّلين الذين يقومون بتشغيل عمال غير شرعيين. وإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تشجع سياسةُ الهجرة الجديدة التجارةَ وتقوي الاقتصاد، لأن الحقيقة هي أن ثمة وظائف لا يرغب فيها الأميركيون، مثلما أن ثمة وظائف لا تكفي أعداد الأميركيين المتوفرين لشغلها. ولذلك، ينبغي أن تشمل سياستُنا برنامجَ "العامل المؤقت" الذي ينبغي تفعيله (بدون مزيد من البيروقراطية) حتى يجذب العمال المهرة وغير المهرة من أجل دعم اقتصادنا. وأخيراً، يجب أن تكون سياسة هجرتنا عمليةً وقابلةً للفرض وقابلةً للتطبيق الفعلي بدون تأخير كبير أو أخطاء كثيرة؛ كما يجب أن تكون عادلة تجاه الأشخاص الذين يتَّبعون القوانين. وباعتباري أول وزير للعدل من أصل لاتيني في بلدنا، فقد رأيتُ جمال تقاليدنا المتعلقة بالهجرة، ورأيت التهديدات التي تأتي مع نظام معطل. وبالتالي، فإن علينا أن نصلح العملية، وهي مهمة معقدة لأن الحل الأفضل سيؤثر بكل تأكيد في العائلات، والسياسة لخارجية، والأمن القومي، واقتصادنا -وسيتناول جوهر موضوع هويتنا كأمة. كما سيتطلب الأمر شجاعة لتمرير تشريع ذي معنى. أما القيام بأقل من ذلك أو سلوك الطرق القصيرة، فسيعرِّض أمننا للخطر. والحال أن الأميركيين يتوقعون ويستحقون الأفضل من زعمائهم في واشنطن. ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"