رغم الإصلاحات التي أقرها الكونجرس في القطاع المالي الأميركي مثل تمرير قانون إصلاح "وول ستريت" وقانون حماية المستهلك، فإن مهمة إدخال التغيرات المطلوبة على الاقتصاد وضمان ازدهاره واستفادة الجميع من خيراته مازالت في بدايتها، ذلك أن الإصلاح الهيكلي للاقتصاد لن يأتي من خلال تشريع واحد يوافق عليه الكونجرس، بل من خلال نماذج اقتصادية جديدة تتميز بالابتكار والإبداع وتعكس القيم الديمقراطية لمجتمعنا. ولحسن الحظ أن بعضاً من هذه الأفكار الجديدة ذات القدرة على التغيير بدأت بالفعل في النضوج، وفيما يلي خمس طرق لبناء اقتصاد أكثر عدلاً يجري تجريبها حالياً من قبل الكثير من الأميركيين: أولا هناك ما يمكن أن نطلق عليه "الخيار ب"، فإذا كانت الشركات عادة ما تسعى إلى الربح باعتباره الهدف الأساسي لقيامها، بل يمكن مقاضاة الشركة إنْ هي انحرفت عن هدف تعظيم الأرباح بموجب قانونها التأسيسي، فإن السيناتور "جامي راسكين"، من ولاية ماريلاند اقترح أسلوباً آخر للعمل من خلال ما يعرف بـ"تشريع أرباح الشركات"، الذي تمت المصادقة عليه على مستوى الولاية وتحول إلى قانون ملزم، وبموجب هذا القانون يمُنح للشركات إمكانية التسجيل على أنها "شركات ب" ما يعطيها حق تعظيم الأرباح باعتباره الهدف التقليدي لكل الشركات، لكن أيضاً تحقيق أهداف أخرى يستفيد منها الصالح العام مثل الحفاظ على نظافة الهواء، أو احترام الفضاءات المفتوحة وتوفير السكن المناسب، وتخضع هذه الأهداف التي تحددها الشركات بموجب قانون "شركات ب" إلى مراقبة ومتابعة من قبل طرف ثالث ليتحول هذا النوع من الشركات إلى نموذج جديد في عالم الأعمال تتبنى منظوراً اجتماعياً، وقد كان لافتاً انتقال هذا النوع من الشركات خارج حدود ولاية ماريلاند إلى فيرمونت، وهو حالياً قيد الدراسة في ولايات أخرى مثل نيويورك وبينسلفانيا ونيوجيرسي وأوريجن وواشنطن وكولورادو. وثانياً: البنوك الموجهة للناس، فقد تدفقت مئات المليارات من الأموال العامة لإنقاذ البنوك في "وول ستريت"، التي بدورها ردت الجميل بالرجوع إلى ممارستها القديمة بتخصيص مكافآت كبيرة حد الاستفزاز إلى مديريها فيما هي عاجزة عن القيام بدورها في تسهيل الإقراض، لكن بنكاً واحداً لم يحتج إلى الأموال العامة ولا عانى من شح في السيولة، هذا البنك هو بنك "شمال داكوتا" المملوك من قبل الدولة، والسبب أن المصرف الذي أُسس في العام 1919 تجنب القروض عالية الخطورة والمشتقات المالية ما جعله يملك احتياطيا ماليا يقدر بحوالي أربعة مليارات دولار ليستمر في تلبية حاجيات عملائه الائتمانية. والحقيقة أن نموذج البنوك المملوكة للدولة بات خياراً جذاباً للولايات والمواطنين الذين سئموا من إعطاء أموالهم للبنوك الكبرى التي لا تستثمر تلك الأموال في مناطقهم، لذا تفكر العديد من الولايات حالياً في تبني نموذج البنوك التابعة للدولة مثل ماساتشوستس وفرجينيا وواشنطن وإيلينوي وغيرها. ثالثاً، التحكم في الأموال: ويعني ذلك فتح حسابات بنكية في المصارف الصغيرة والمحلية التي تقدم خدماتها للمجتمع، وهي الفكرة التي تدافع عنها "أريانا هافينجتون" من خلال حملتها الرامية إلى إقناع الناس بنقل أموالهم إلى بنوك أفضل تقدم خدمات أحسن للناس، وقد تجاوب مع هذه الحملة إحدى أكبر النقابات في نيويورك، بالإضافة إلى المراقب العام بالمدينة "جون ليو"، الذين وجهوا رسالة واضحة إلى بنوك "وول ستريت" مفادها أنهم لا يقبلون الطريقة التي تتعامل بها تلك البنوك مع الرهون العقارية، وانطوت الرسالة على تهديد صريح بأن يحول المواطنون الذين وضعوا أموالهم ضمن صناديق للمعاشات في البنك إلى مؤسسات أخرى، إذا لم يغيروا قيودهم على الرهن العقاري، وبالطبع ستتضرر تلك البنوك لأنه ما لا يقل عن 500 ألف عائلة تستثمر أموالهم في حسابات خاصة لتأمين التقاعد، وإذا لم تتصرف تلك البنوك الكبيرة وفقاً لمصلحة الناس وتسهل عملية الإقراض، فإنها ستعاني من نقص في السيولة. رابعاً: فرض ضرائب على المضاربات: فقد بات معروفاً اليوم الدور الذي لعبه المضاربون في سوق الأسهم بـ"وول ستريت" ومراهناتهم على العملة والمشتقات المالية في اندلاع الأزمة المالية وانطلاق الركود الاقتصادي، لذا يتعين فرض ضريبة على المضاربات لوضح حد للتجاوزات والتلاعب باستثمارات الناس، فضريبة مثل 25.0 في المئة على كل عملية مضاربة لن تكون مشكلة بالنسبة للمستثمرين النظاميين، لكنها ستكون مهمة بالنسبة لمن يبحث عن أرباح سريعة ومتكررة، كما أن الضريبة ستدر دخلًا على خزينة الدولة يصل إلى 180 مليار دولار في السنة، وقد لاقت هذه الفكرة قبولًا واسعاً على الصعيد العالمي، حيث فرضت بريطانيا 5.0 في المئة على كل مضاربة تجرى في سوق الأسهم بلندن، كما عبر كل من نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، عن تأييدهما للضريبة. خامساً، العامل هو المدير، فبعدما أشار تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" أن الشركات تخزن ما قيمته 8.1 تريليون دولار، فيما تمتنع عن التوظيف، بات من الضروري تغيير هياكل الشركات وتمكين الموظفين والعمال من حصص في أسهمها حتى تصبح أكثر استجابة لاحتياجات المجتمع وتنفتح على مطالبه، وهذا ما قامت به تعاونية "إيفرجرين" في كليفلاند، وهي تجمع يضم شركات محلية يملكها العمال بتمويل مشترك بين الخواص والدولة، فالعمال يمتلكون حصصاً في الشركات من خلال اقتطاعات شهرية من الأجور مقابل حصولهم على وظائف في مجالات خضراء تحترم البيئة، وتركز الشركات على السوق المحلية في الولاية من خلال تزويد المؤسسات المحلية مثل المستشفيات والجامعات بما تحتاجه. وبالطبع يتطلب تحقيق هذه البرامج والمقترحات البديلة، التي من شأنها تغيير مفهوم القطاع المالي من كونه مهيمنا على الاقتصاد إلى خادم له، جهداً كبيراً وتنظيماً محكماً من المجتمع يمتد على مدى سنوات من العمل والاجتهاد. كاترينا فاندين هيوفيل محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"