منذ أربعين عاماً، وفي عهد رئيس وزراء "محافظ"، وقّعت المملكة المتحدة معاهدة صداقة مع دولة الإمارات العربية المتحدة. هذه المعاهدة عززت صداقة وليدة تاريخ مشترك، ومصالح وقيم مشتركة، لا تزال متواصلة حتى اليوم. لذلك كان من دواعي سروري، أن أزور دولة الإمارات العربية المتحدة الأسبوع الماضي لإعادة التأكيد على تلك الصداقة، ولمناقشة أمور تتعلق بمستقبلنا المشترك، مع صاحب السمو رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وسمو شيوخ آخرين. إن صلاتنا قوية وهناك روابط وثيقة بين شعبينا ومشروعاتنا. ولأننا ننتمي إلى اتحادين سياسيين، فإننا معاً ندرك أهمية التسامح الثقافي والتنوع الوطني. وباعتبار بلدينا يمثلان محورين تجاريين عالميين، فإننا معاً أيضاً نُقدِّر أهمية الانفتاح على أفكار وتجارب الدول الأخرى. وباعتبارنا من محبي الرياضة، فإننا نتقاسم الشغف بكرة القدم، وسباقات السيارات وسباقات الخيل. ويزور دولة الإمارات سنوياً ما يزيد عن مليون بريطاني، كما يعيش بها نحو 100 ألف بريطاني. كما يزور آلاف الإماراتيين أيضاً بريطانيا سنوياً، كسياح أو طلاب أو لممارسة الأعمال التجارية. وتظل دولة الإمارات أكبر سوق صادرات لبريطانيا في الشرق الأوسط، وثالث عشر أكبر سوق صادرات لنا في العالم. كما تمثل أيضا مصدراً رئيسياً للاستثمارات الأجنبية المباشرة في بريطانيا. في الوقت نفسه نجد أن شركتي النفط البريطانيتين، "بريتش بتروليوم" و"شل"، قد عملتا في أبوظبي لما يزيد عن 70 عاماً، كما أن توربينات "رولز رويس" كانت هي التي ولدت القوة المحركة اللازمة لصناعة إنتاج النفط في أبوظبي منذ عام 1973. وأنا أريد البناء على هذا الأساس المتين، وهذا هو سبب الزيارة التي قام بها أيضاً وزير الدفاع "ليام فوكس" لدولة الإمارات العربية المتحدة الأسبوع الماضي، وهو سبب التقاء وزير الخارجية "ويليام هيج" مع سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان في لندن الأسبوع الماضي، وهو السبب كذلك في أن زيارة دولة الإمارات كانت واحدة من أولى أولوياتي كرئيس وزراء لبريطانيا. إن تاريخنا المشترك يحمل دلالات مهمة، لكن مستقبلنا المشترك أكثر أهمية. وهذا يعني التعاون الوثيق في مجالي الدفاع والأمن. في خمسينيات القرن الماضي حاربت قوتانا المسلحتان جنباً إلى جنب من أجل حماية أراضي الإمارات. واليوم تخدم القوتان بشجاعة جنباً إلى جنب في أفغانستان. ولسنوات طويلة تدربتا معاً سواء هنا أو في المعاهد العسكرية البريطانية المحترمة، مثل "ساند هيرست"، كما أن العلاقات الشخصية بينهما متينة. ويقوم هذا التعاون على أساس اعتقاد جوهري مؤداه أن المملكة المتحدة وأصدقاءها، كدولة الإمارات مثلًا، يجب أن يقفوا متحدين في مواجهة التهديدات المشتركة لأمننا. لذلك، فإن العمل معاً من أجل تحقيق الاستقرار في أفغانستان، والخليج، والشرق الأوسط الكبير، يعد أولوية بالنسبة لنا. فنحن مثلًا نؤمن معاً بأنه من الأمور الجوهرية أن تستجيب إيران لقرارات مجلس الأمن الدولي، كما يمكن لها أيضاً إقناع الآخرين بنواياها السلمية ومراعاتها لاعتبارات حسن الجوار، بالموافقة على السعي من أجل التوصل لحل عادل لموضوع الجزر الثلاث، وهو ما طالبتْ به طويلًا دولة الإمارات العربية المتحدة وبريطانيا والمجتمع الدولي. ومستقبلنا المشترك يتضمن تعاوناً يزداد متانة على الدوام في مجالي التجارة والاستثمار. وأنا أشعر بالسعادة للاستثمارات الإماراتية في مشروعات وأعمال عملاقة مثل إنشاء مطار "لندن جيتواي" المقرر أن يكون واحداً من أحد أكبر مطارات أوروبا ومجمعاتها اللوجستية (الخدماتية)، ومثل نادي "مانشستر سيتي" الذي يعد واحداً من أعظم فرق كرة القدم في العالم، وشركة "فيرجين جالاكتيك"، وهي شركة تهدف لأن تقدم للناس تجربة فضائية للسفر "خارج هذا العالم". كما أشعر بالسعادة أيضاً لمساهمة الخبرة البريطانية في إنشاء الصرح المعماري الرائع لمسجد الشيخ زايد (المسجد الكبير) ومترو دبي، و"جناح الإمارات المعبر عن التراث العريق للدولة في معرض إكسبو شنغهاي". لكن أقول إني أود رؤية المزيد والمزيد من ذلك التعاون. وتوسيع نطاق التجارة المتبادلة بين البلدين ليصل إلى 12 مليار جنيه استرليني (65 مليار درهم) بحلول 2015، يجب أن يكون نقطة البداية في ذلك. إن مستقبل بلدينا المشترك يتطلب تعاوناً وثيقاً في مجال احتياجات الطاقة. ويتضمن ذلك الهيدروكاربونات- وأنا في الحقيقة فخور بتاريخ شركتي "بريتش بيتروليوم" و"شل" الطويل في العمل مع الإمارات- والطاقة المتجددة. وأود الإشارة إلى أن شركة "مصدر" تستثمر بالفعل في مشروع "لندن آراي"، وهو أكبر مزرعة رياح بحرية من نوعها في العالم. كما تدعم شركة "رولز رويس" برنامج الإمارات السلمي للطاقة النووية الذي يتضمن ضوابط دولية قوية. كما أتطلع إلى تعزيز هذا التعاون سواء في المجالات القائمة أو الجديدة في ذات الوقت الذي نقوم فيه بالتصدي للتحديات التي تمثلها ظاهرة الاحتباس الحراري بناءً على ارتباطنا المشترك باتفاقية كوبنهاجن للمناخ الصادرة عام 2009. وذات مرة قال الشيخ زايد رحمه الله بحكمة بليغة: "من لا يعرف ماضيه لا يستطيع الاستفادة من حاضره ولا مستقبله، لأن الماضي هو ما نتعلم منه"، لذلك أشعر بالسرور للشراكة بين "متحف لندن" و"متحف الشيخ زايد الوطني"، ولأن علماء الآثار البريطانيين يواصلون العمل مع نظرائهم الإماراتيين للكشف عن أسرار تاريخ الإمارات العريق. وفي نفس الوقت تؤسس العديد من كبريات المؤسسات التعليمية البريطانية وجوداً لها في دولة الإمارات، والكثير منها كان قادراً بالفعل على تحسين جودة التعليم الذي تقدمه، بفضل الهبات (التبرعات أو المكرمات) المقدمة من دولة الإمارات. وقد أصبح مركز "إمبريال كوليج لندن للسكري"، ومستشفى "مورفيليدز آي كلينيك" للعيون، مؤسستين راسختين في دولة الإمارات وفي بريطانيا. وسوف نعمل من أجل توسيع شراكاتنا مع دولة الإمارات العربية المتحدة في مجالي التعليم والصحة، وغيرهما من المجالات لتطوير رؤيتنا الموحدة. وهذه الرؤية يمكن أن تتحقق، من خلال إعادة تنشيط الشراكة بين حكومتينا، وقوتينا المسلحتين، ومشروعاتنا التجارية، ومؤسساتنا الثقافية والتعليمية، ومواطنينا. وسيعمل معاً وعن قرب وزير خارجية بريطانيا ووزير خارجية الإمارات- بدءاً من اجتماعهما الأخير في لندن- للاتفاق على مقترحات واقعية من أجل تعاون أعمق وأوسع. وتتطلع حكومتي إلى الترحيب بزيارات المزيد من الوزراء والمسؤولين ورجال الأعمال الإماراتيين إلى بريطانيا. ومن جانبنا، سنكون زائرين أكثر تردداً على دولة الإمارات، كما سنشجع المزيد من البريطانيين على زيارة الإمارات والتواصل مع شعبها. وذات مرة قال الشيخ زايد رحمه الله في معرض حديثه عن اتحاد دولة الإمارات العربية: "إن هذا الاتحاد قد وُجد ليبقى للأبد"، وأنا أعتقد أن هذا ينطبق أيضاً على الصداقة القائمة بين اتحادينا العظيمين -دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة. ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا