بالنسبة للعديد من الأميركيين كانت الأزمة المالية، والركود الذي أفرزته، أمراً مدمراً، حيث أدت إلى فقدانهم لوظائفهم، ومنازلهم، ومدخراتهم. لذلك كان من الطبيعي ومن المفهوم أيضاً أن يدعو أناس كثيرون للتغيير. لكن هذا التغيير يجب أن يتركز في المقام الأول، حول إنشاء منظومة تعمل بشكل أفضل، وليس بشكل مختلف فحسب كما قد يعتقد البعض. إن التحدي الذي يواجهنا كأمة يتمثل في تصميم نظام للإشراف المالي، يعكس دروس العامين الماضيين، ويقدم في ذات الوقت إطاراً متيناً لمنع وقوع أزمات أخرى في المستقبل، والحيلولة دون الأضرار الاقتصادية التي تقترن بها. وهذه الأمور غاية في التعقيد، علاوة على أن الكونجرس لا يزال منخرطاً حتى الآن في عملية تفكير عميقة تسعى إلى تحقيق أفضل إصلاح ممكن للوائح المالية. غير أني أشعر بالقلق مع ذلك، من أن تؤدي بعض الإصلاحات التشريعية التي تتم المداولات بشأنها، إلى إحداث تقليص كبير في طاقة "الاحتياطي الفيدرالي"، وقدرته على إنجاز وظائفه الجوهرية، كما أخشى من أن تؤدي بعض الاقتراحات الأساسية المزمع تقديمها إلى مجلس الشيوخ، إلى تجريده من قسم كبير من سلطاته التنظيمية. ويلاحظ في هذا الصدد أن بعض الإجراءات المقترحة من قبل الأعضاء لا تتماشى مع طبيعة المرحلة الحالية، ولا مع الإجماع العالمي بشأن الدور المناسب للبنوك المركزية في معالجة الأزمات المالية التي تتعرض لها الدول المختلفة، علاوة على أنها (الإجراءات) يمكن أن تؤدي إلى الإضرار بفرص واحتمالات الاستقرار المالي والاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية. لقد لعب الاحتياطي الفيدرالي دوراً رئيسياً في محاصرة الأزمة، ومن هنا فإن السعي يجب أن أن يتركز على المحافظة على -وليس تخفيض- قدرته على ترسيخ الاستقرار المالي، وتعزيز التعافي الاقتصادي، دون التعرض للوقوع في دائرة التضخم. إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأميركية، لتجنب الانهيار المالي العام الماضي، والتي رآها البعض غير مستساغة وغير عادلة، كانت على الرغم من ذلك ضرورية لتجنب كارثة اقتصادية عالمية بحجم الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، وهو ما كان يمكن أن يؤدي إلى تداعيات عميقة على الاقتصاد والمجتمع. إن الاحتياطي الفيدرالي، شأنه في ذلك شأن العديد من المؤسسات المالية المركزية في معظم دول العالم، لم يفعل كل ما كان يجب فعله لاحتواء كافة العمليات المالية المصنفة كعمليات عالية المخاطرة والتي قامت بها مؤسسات القطاع المالي في الفترة التي سبقت وقوع الأزمة، لكنه قام بعد ذلك بمراجعة مكثفة لأدائه، كما اتخذ خطوات جسورة لحل كافة المشكلات الناجمة. كما تمكنّا أيضاً في الاحتياطي الفيدرالي، من خلال التعاون مع أجهزة ومؤسسات أخرى، من تشديد القواعد والقوانين المعمول بها وجعلها أكثر صرامة، وتعزيز عملية الإشراف التي نقوم بها. وسوف نحتاج خلال الفترة القادمة إلى إلزام البنوك بضرورة الاحتفاظ بمقادير أكبر من السيولة، وبالقدرة الكافية على هيكلة حُزم التعويضات، على نحو يحد من التصرفات المالية ذات الخطورة. وبالإضافة لذلك نقوم حالياً بإمداد أطقم الفحص والمراجعة في البنوك بأعداد كبيرة من الاقتصاديين، والاختصاصيين الماليين، لتسهيل مهمتهم، وتعزيز دورهم. وهذا المزيج المكون من الخبرة والمعرفة الفنية من جانب، والقوة الفريدة التي يحظى بها الاحتياطي الفيدرالي من جانب آخر، ساعدت على تعزيز درجة المصداقية والوضوح لـ"اختبارات الجهد" التي أجريت على بعض وحدات النظام المصرفي في الربيع الماضي، ومثلت نقطة تحول فاصلة في ثقة الجمهور بالنظام المصرفي. هناك أسباب قوية تدعو الاحتياطي الفيدرالي إلى مواصلة دوره في الإشراف على البنوك. فبسبب دورنا في السياسة المالية، يضيف الاحتياطي الفيدرالي خبرة ومعرفة اقتصادية ومالية لا نظير لها، لعملية إشرافه على البنوك، كما يتبين من النجاح الذي حققته "اختبارات الجهد" المذكورة. ليس هناك خلاف على أن الهدف النهائي لكافة الجهود التي نقوم بها، هو استعادة وإدامة ازدهارنا الاقتصادي. ولذلك، ومن أجل دعم النمو الاقتصادي، قام الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض كبير في معدلات الفائدة، كما قدم مزيداً من الحوافز عبر تنشيط الإقراض، وتعزيز برامج شراء الأصول. إن قدرتنا على القيام بمثل هذه الإجراءات دون المخاطرة بحدوث زيادات حادة في التضخم، يعتمد بشكل كبير على مصداقيتنا، وعلى عدم تأثرنا بالضغوط السياسية القصيرة الأمد. وهناك دراسات اقتصادية كثيرة أثبتت أن البلاد التي تقوم بنوكها المركزية برسم السياسة المالية بشكل مستقل عن النفوذ السياسي، غالباً ما يكون أداؤها الاقتصادي أفضل وغالباً ما تتمتع بالقدرة على تخفيض نسبة التضخم ومعدلات الفائدة المصرفية. على أن الاستقلالية هنا لا تعني عدم الخضوع للمساءلة والمحاسبة. والاحتياطي الفيدرالي عند إعداده للسياسة المالية، يكون حريصاً على الشفافية، وعلى تقديم بيانات دقيقة ومفصلة عن كافة الاجتماعات التي يعقدها، وكذلك عن الشهادات التي يتم الإدلاء بها على نحو منتظم أمام الكونجرس، وكذلك الأمر بالنسبة لكافة المعلومات والمعطيات الأخرى ذات الأهمية. والبيانات والتقارير المالية التي نقدمها عادة ما تكون علنية، وتخضع للمراجعة من قبل مؤسسات محاسبة ومراجعة خارجية معروفة. ونقوم أيضاً بنشر ميزانيتنا أسبوعياً، كما نقدم تقارير شهرية تحتوي على قدر كبير من المعلومات عن "تسهيلات الإقراض المؤقت" التي تم تطويرها خلال الأزمة. وبالإضافة لذلك يستطيع الكونجرس من خلال "مكتب المحاسبة الحكومية" القيام بمراجعة جميع عملياتنا، باستثناء المداولات والإجراءات المتعلقة برسم السياسة المالية والمحددة حسب قانون عام 1978. وأي خطوة لإلغاء هذا الاستثناء، لن يكون لها من تأثير سوى زيادة نفوذ الكونجرس على القرارات المتعلقة بالسياسات المالية، وهو ما سيقوض الثقة التي يمنحها الجمهور والأسواق للاحتياطي الفيدرالي والتي تتيح له العمل بكفاءة من أجل تحقيق المصالح الاقتصادية الطويلة الأمد لأمتنا. لقد قطعنا شوطاً طويلاً في معركتنا ضد الأزمة المالية والاقتصادية، لكن لا يزال أمامنا الكثير من الجهد الذي يتعين القيام به خلال مدة طويلة كذلك. وأميركا تحتاج في الوقت الراهن -وأكثر من أي وقت مضى- إلى بنك مركزي قوي، وغير مسيس، ومستقل، يمتلك الوسائل والأدوات اللازمة لتدعيم الاستقرار المالي، من أجل المساعدة على توجيه اقتصادنا للتعافي دون التعرض لخطر التضخم. بن برنانكي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رئيس مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"